وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَالَهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ يُوهِمُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
[طَالَ الزَّمَانُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ عِلْمِ الْمَالِكِ حَتَّى اسْتَغَلَّهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ تَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ]
(الثَّالِثُ) : لَوْ طَالَ الزَّمَانُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ عِلْمِ الْمَالِكِ حَتَّى اسْتَغَلَّهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ تَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ؟ حَكَى الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ عَنْ الطِّرَازِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالَمٍ بِالتَّعَدِّي، وَكَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تَنْفِي عَنْ الْبَائِعِ التَّعَدِّي لِكَوْنِهِ حَاضِنًا لِلْمَالِكِ أَوْ ادَّعَى الْوَكَالَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي كَالْغَاصِبِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَنَصُّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ لِفُلَانٍ فَبَاعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا دَفَعَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ الشَّيْخُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ دَارًا تُعْرَفُ لِزَيْدٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مِنْ سَبَبِ زَيْدٍ، وَنَاحِيَتِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْغَلَّةَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ قَالَهُ سَحْنُونٌ.
وَكَذَلِكَ الْحَاضِنَةُ تَبِيعُ عَلَى الْأَيْتَامِ الْمَنْزِلَ اُنْظُرْ كِتَابَ الْغَصْبِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ الْمَشَذَّالِيِّ قَالَ فِي الطِّرَازِ مَنْ هَلَكَ عَنْ أَطْفَالٍ، وَلَهُمْ أُمٌّ غَيْرُ وَصِيَّةٍ تَبِيعُ حَقًّا لَهُمْ مِنْ رَجُلٍ فَيَغْتَلُّهُ فَيَبْلُغُ الْأَوْلَادُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَقُومُ، وَتَحُوطُ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: إنَّمَا كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ أَجْلِ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَبْعَدَتْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ: فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً تُعْرَفُ لِرَجُلٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَغَابَ وَلَا يَعْرِفُ فَاشْتَرَى، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ لِلْغَائِبِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَقُومُ فِي الدَّارِ، وَيَنْظُرُ، وَيَعْمَلُ حَتَّى ثَبَتَتْ لَهُ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ كَمَا قُلْنَا فَالْمُشْتَرِي كَالْغَاصِبِ اُنْظُرْ الطِّرَازَ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ فِي السُّدُسِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ سَحْنُونٍ حَكَاهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا، وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمَشَذَّالِيِّ وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَوْ كَانَ رَبُّ الدَّارِ غَائِبًا، وَزَعَمَ هَذَا الْبَائِعُ أَنَّ رَبَّهَا، وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهَا، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ فَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَ هَذَا الْوَكِيلُ يَقُومُ عَلَى الدَّارِ، وَيَنْظُرُ إلَيْهَا حَتَّى تَثْبُتَ لَهُ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةٌ فَالْمُشْتَرِي مِنْهُ كَالْغَاصِبِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ تَبِيعُ عَلَى الْأَطْفَالِ فَإِنْ كَانَتْ تَقُومُ عَلَيْهِمْ، وَتَحُوطُهُمْ وَتَنْظُرُ لَهُمْ فَبَاعَتْ، وَهِيَ كَذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ انْتَهَى.
[هَلْ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَمْ لَا]
(الرَّابِعُ) : هَلْ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَمْ لَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اغْتَصَبَ عَبْدًا، وَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ أَنَّهُ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ نَفَذَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لَمْ يَزَلْ جَائِزًا مِنْ يَوْمِ وُقُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ، وَأَخَذَ عَبْدَهُ انْتَقَضَ الْعِتْقُ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْكَلَامَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) : إنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَا الْمَالِكِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لِلْبَيْعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ حَاضِرَ الصَّفْقَةِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى مَضَى الْعَامُ، وَنَحْوُهُ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ، وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى مِنْ رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْهُ، وَفِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute