للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذَاهِبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْحَرَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَأْوِيلِ الشُّيُوخِ لَهَا وَتَوْجِيهِهِمْ لِمَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا وَتَشْبِيهِهِمْ مَسَائِلَ بِمَسَائِلَ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ تَبَاعُدُهَا وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ مَسَائِلَ يَقَعُ فِي النَّفْسِ تَفَاوُتُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ: لِطَالِبِ الْعِلْمِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةُ الْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةُ بِعَيْنِهَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّسِعَ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ فَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ وَلَا يُخَرِّجُ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً عَلَى مَا يُشْبِهُهَا. الثَّالِثَةُ أَنْ يُحِيطَ بِذَلِكَ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهَا وَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.

[تَنْبِيهٌ لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ]

(تَنْبِيهٌ) إذَا لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ وَلَا وَجَدَ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَدَارِكِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهَا فِي مَذْهَبِ الْغَيْرِ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْمَلُ بِجَهْلٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيَسْتَعْمِلُ سَائِرَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا وَالْحَلَالُ ضَالَّةٌ مَفْقُودَةٌ فَيَجْتَهِدُ الْإِنْسَانُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْقَوِيُّ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَيَنْظُرُ الْخِلَافَ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ، انْتَهَى وَكَذَا يَنْبَغِي فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا]

(فَرْعٌ) مَنْ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدَّبَهُ فَأَهْلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ لَهُ اشْتِغَالٌ بِالْعِلْمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْأَدَبُ وَيُنْهَى عَنْ الْفَتْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ إلَّا أَنْ يَتَوَلَّى فِعْلَ مَا أَفْتَى بِهِ فَيَضْمَنُ وَذَكَرَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ يَضْمَنُ قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي فِي الْمُفْتِي الَّذِي يَجِبُ تَقْلِيدُهُ الْمُنْتَصِبُ لِذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَكَالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ وَيَجْرِي عَلَى أَحْكَامِهِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُنْتَصِبَ لِذَلِكَ يَضْمَنُ وَلَعَلَّ ابْنَ رُشْدٍ لَا يُخَالِفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُحْكَمُ بِفَتْوَاهُ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ يَرْجِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنْتَصِبِ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا]

(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا فَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهَا وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ لَكِنْ لَوْ أَتَى خَصْمَانِ إلَى قَاضٍ فَأَعْطَيَاهُ أَجْرًا عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا وَأَتَى رَجُلٌ لِلْمُفْتِي فَأَعْطَاهُ أَجْرًا عَلَى فَتْوَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خُصُومَةٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ بِهِ، فَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَيْ شَيْءٍ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجْسُرُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ أَحَدِ فُقَهَاءِ تُونُسَ وَمُفْتِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَيَطْلُبُهَا مِمَّنْ يُفْتِيه كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ.

[فَرْعٌ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ قَبُولُهُ وَمَا أُهْدِيَ لَهُ رَجَاءَ الْعَوْنِ عَلَى خُصُومَةٍ أَوْ فِي مَسْأَلَةٍ رَجَاءَ قَضَائِهَا عَلَى خِلَافِ الْمَعْمُولِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ وَهُوَ رِشْوَةٌ الْبُرْزُلِيُّ كَأَخْذِ فُقَهَاءِ الْبَادِيَةِ الْجَعَائِلَ عَلَى رَدِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَنَحْوِهَا مِنْ الرُّخَصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (فَأَجَبْت سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مُشِيرًا بِفِيهَا لِلْمُدَوَّنَةِ)

ش: اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْمُدَوَّنَةِ سَمَاعُ قَاضِي الْقَيْرَوَانِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَهُمَا مَعًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا وَرَوَاهَا عَنْهُ وَسَأَلَهُ عَنْهَا عَلَى أَسْئِلَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَجَابَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِنَصِّ قَوْلِ مَالِكٍ مِمَّا سُمِعَ مِنْهُ أَوْ أَبْلَغَهُ أَوْ قَاسَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُهُ فَحُمِلَتْ عَنْهُ بِالْقَيْرَوَانِ وَكَانَتْ تُسَمَّى الْأَسْدِيَةَ وَكِتَابَ أَسَدٍ وَمَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَتَبَهَا عَنْهُ سَحْنُونُ كَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ فِي الْمَدَارِكِ: مَنَعَهَا أَسَدٌ مِنْ سَحْنُونٍ فَتَلَطَّفَ بِهِ سَحْنُونٌ حَتَّى وَصَلَتْ إلَيْهِ فَرَحَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>