للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ.

[دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْره مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ]

(الرَّابِعُ) إذَا دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَوَقَعَ ذَلِكَ وَنَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ بَلْ هِيَ حَبْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ حَفَرَ قَبْرًا لِلْمَيِّتِ فَدُفِنَ غَيْرُهُ فِيهِ: إنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَأَحْرَى مَسْأَلَتُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الشَّبِيبِيَّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ.

[الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ]

(الْخَامِسُ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ الْمُرْصَدَةِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ وَأَنَّ الْبِنَاءَ بِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ هَدْمُهُ يَدُلُّ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْآتِي بَلْ لِلْمُعَلَّاةِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةٍ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي فَضْلِهَا وَتَسْمِيَتِهَا مَقْبَرَةً فَقَدْ رَوَيْنَا فِي تَارِيخِ الْأَزْرَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «نِعْمَ الْمَقْبَرَةُ هَذِهِ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ» قَالَ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «نِعْمَ الشَّعْبُ وَنِعْمَ الْمَقْبَرَةُ» وَأَمَّا مَا يُقَالُ: إنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْقَفَهَا فَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ لِلدَّفْنِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ فَإِنَّ الزَّرْكَشِيَّ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْخَادِمِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ قَالَ الْحَاوِي بَعْدَ ذِكْرِهِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيُهْدَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَأَيْت الْوُلَاةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْقَرَافَةِ وَهَلْ هِيَ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ مُرْصَدَةٌ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ

ص (كَحَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرًا، أَوْ خَشَبَةً بِلَا نَقْشٍ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةً يَكْتُبُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ بَأْسًا يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ انْتَهَى.

وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مُسْتَحَبًّا وَنَصُّهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلَّمَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا أَنْ دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ حَمَلَهُ فَوَضَعَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي أَزُورُهُ وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» انْتَهَى.

وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ عَلَامَةً لِيُعْرَفَ بِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرًا وَلِيَعْرِفَ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ فَأَمَّا الْحِجَارَةُ الْكَثِيفَةُ وَالصَّخْرُ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ بِلَا نَقْشٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ: وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيُكْتَبَ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الْبَلَاطَةُ الْمَكْتُوبَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ مِنْ إرَادَةِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالسُّمْعَةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا فَأَمْرٌ قَدْ عَمَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ تَسَامَحَ النَّاسُ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا التَّعْلِيمُ لِلْقَبْرِ لِئَلَّا يَدَّثِرَ انْتَهَى

ص (وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ فَقَطْ وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) ش: وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ سَبَبِهِمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِمْ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ عَنْ فَرَسِهِ فَانْدَقَّ عُنُقُهُ، أَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ، أَوْ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ شَهِيدٌ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالشَّهِيدُ مَنْ مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْعَدُوِّ فَقَطْ لَا بَيْنَ لُصُوصٍ، أَوْ فِتْنَةٍ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>