للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّا كَانَا فِيهِ حَتَّى لَا يَكُونَ كَلَامُهُ جَوَابًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ فِي الْعُرْفِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ: إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَصْلٌ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا يُقَالُ: كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ إنَّمَا يَقْتَضِي عَدَمَ اللُّزُومِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ اللُّزُومِ نَفْيُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا مُوجِبَ هُنَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي حَقِّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا إلَّا كَوْنَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لِعَدَمِ إجَابَةِ صَاحِبِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فِي وَقْتٍ يَكُونُ كَلَامُهُ جَوَابًا لِكَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ بَيْعِ الْمُزَايَدَة وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ

[تَنْبِيه رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ الْآخَرُ]

(الْعَاشِرُ) فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بَعْدُ بِالْقَبُولِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ الْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيه قَالَ أَبِيعُكَ سِلْعَتِي بِعَشْرَةٍ إنْ شِئْت فَلَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهَا حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ]

(الْحَادِيَ عَشَرَ) مِنْ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ قَالَ أَبِيعُكَ سِلْعَتِي بِعَشْرَةٍ إنْ شِئْت فَلَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهَا حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَجَابَهُ بِمَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُك سِلْعَتِي إنْ شِئْت وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ

، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (قُلْتُ) كَتَبَ مُوَثِّقٌ بَيْعَ مُسَافِرٍ عَبَّرَ عَنْهُ بِعْتُ مَوْضُوعَ كَذَا مِنْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِكَذَا إنْ قَبِلَتْ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسَافَةُ شَهْرَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُدَّةَ قَضَائِهِ: لَا أُجِيزُ هَذَا الْبَيْعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَبُدِّلَتْ الْوَثِيقَةُ بِحَذْفِ إنْ قَبِلَتْ فَقَبِلَهَا، فَلَعَلَّهُ رَأَى الْأَوَّلَ خِيَارًا وَالثَّانِي وَقْفًا اهـ. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقْفًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يُجِزْ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ بَيْعُ خِيَارٍ إلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إقْرَارُ بَيْعٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ)

ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ الصِّيغَةُ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَاقِدُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ عَاقِدُهُ مُمَيِّزًا هَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ عَاقِدِ الْبَيْعِ التَّمْيِيزُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، وَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ عَطْفِهِ عَلَيْهِ شَرْطَ اللُّزُومِ، وَإِذَا كَانَ شَرْطُ عَاقِدِهِ التَّمْيِيزَ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَلَا شِرَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ لِسُكْرٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَفِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ تَرَدُّدٌ إذْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَرْطُهُ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ: إلَّا السَّكْرَانَ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ فَيَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَيَخْرُجُ السَّكْرَانُ لِوُجُودِ التَّمْيِيزِ فِي الصَّبِيِّ وَفَقْدِهِ مِنْ السَّكْرَانِ وَالْعَقْلُ مَفْقُودٌ مِنْهُمَا اهـ.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ بَيْعِ الْعَاقِدِ وَشِرَائِهِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَلَا شِرَاؤُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ، وَلَا إشْكَالَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَهُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمِنْ الْغَرَرِ بَيْعُ السَّكْرَانِ وَابْتِيَاعُهُ إذَا كَانَ سُكْرُهُ مُتَيَقَّنًا، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا عَقَلَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>