الدِّيَاتِ وَنَفْيُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ وَأَمَّا الزَّانِي الْمُحْصَنُ فَلَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَكَأَنَّ قَاتِلَهُ قَتَلَ كَافِرًا مُحَرَّمَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فَتَأَمَّلْهُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي مِقْدَارِ أَدَبِهِمْ فَمَنْ طُلِبَ السَّتْرُ عَلَيْهِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ تَكُونُ الْجُرْأَةُ عَلَى الْقَاضِي بِقَتْلِهِ أَكْثَرَ وَكُفْرُ الزَّنْدَقَةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الِارْتِدَادِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. يَعْنِي فَيَكُونُ الْأَدَبُ فِي كُفْرِ الِارْتِدَادِ أَشَدَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُنْصِفُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ حَقِّهِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الَّذِي يَقْتُلُ وَلِيَّهُ رَجُلٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَقْتُلُ الْوَلِيُّ قَاتِلَ وَلِيِّهِ غِيلَةً أَوْ بِاحْتِيَالٍ أَنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ يُنْصِفُهُ فَهُوَ يَأْخُذُ حَقَّهُ بِنَفْسِهِ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ تَجْرِي عِنْدِي عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لَوْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَفَعَ أَمْ لَا؟ انْتَهَى.
ص (فَالْقَوَدُ عَيْنًا)
ش: يَعْنِي إذَا وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ الْقَوَدُ أَيْ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوا عَلَى الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْجِرَاحِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ الْوَاجِبُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدِّيَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّيَةَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِتَخْيِيرِ الْأَوْلِيَاءِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدِّيَةِ فَإِنْ طَلَبَ الْأَوْلِيَاءُ مِنْهُ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ وَقَاتِلُ الْعَمْدِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ فَيَأْبَى إلَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْقَتْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا لِأَنَّهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ لِيَتْرُكَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ مَضَارُّ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا فَلِيَقْتُلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي النَّفْسِ وَأَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ فَيُوَافِقُ أَشْهَبُ الْمَشْهُورَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ التَّخْيِيرُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ كَالنَّفْسِ وَفَرَّقَ الْبَاجِيُّ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ بِأَنَّ الْجَارِحَ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَالْقَاتِلُ إنَّمَا يَتْرُكُ الْمَالَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَضَارُّ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الدِّيَةِ انْتَهَى. وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ وَارِثُهُ أَعَزُّ عِنْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
[تَنْبِيه جَرَحَ الْعَبْدُ مِثْلَهُ أَوْ قَتَلَهُ]
(تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا إذَا جَرَحَ الْعَبْدُ عَبْدًا مِثْلَهُ أَوْ قَتَلَهُ فَإِنَّ لِسَيِّدِ الْمَجْرُوحِ أَوْ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتَصَّ لَهُ وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَ الْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ اسْتَحْيَا الْعَبْدُ الْجَانِي خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي فِدَائِهِ بِدِيَةِ الْحُرِّ أَوْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَفِي إسْلَامِهِ وَفِي الْجِرَاحِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ ذَلِكَ الْجُرْحِ إنْ كَانَ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى فَإِنْ حَصَلَ عَنْهُ عَيْبٌ خُيِّرَ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ بِمَا يُوجِبُهُ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ عَيْبٌ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا.
(تَنْبِيهٌ) فَإِذَا جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا وَبَرِيءَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يُدْعَى الْجَارِحُ فَيُقَالُ: صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَى مَا ذَكَرْت فَإِنْ امْتَنَعَ فَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ سَوَاءً أَرَادَ الْقِصَاصَ أَوْ أَرَادَ أَخْذَ الْأَرْشِ أَوْ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ قِيلَ لِلْعَبْدِ صِفْ الْجُرْحَ وَاقْتَصَّ وَإِنْ أَرَادَ الْأَرْشَ قِيلَ لِلسَّيِّدِ صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَامَ لِلْعَبْدِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْجُرْحِ فَهَلْ يَحْلِفُ السَّيِّدُ مَعَهُ مُطْلَقًا سَوَاءً أَرَادَ الْقِصَاصَ أَوْ الْأَرْشَ قَالَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute