للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ يَلِيهَا وَلَا مَنْ يَحْرُسُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا الْمُجَاهِدُونَ، وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ هُنَا أَنَّهَا لَا تُعْطَى لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ كُفَّارٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُعْطَى مِنْهَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا كَانَ فَقِيرًا بِمَوْضِعِهِ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذَلِكَ وَانْظُرْ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا الرَّقِيقَ، وَيُعْتِقَ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ فُقَرَاءِ بَلَدِهَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ بِهِ فَقِيرٌ أَمْ لَا وَيَنْقُلَ مَا فَضَلَ إلَى غَيْرِهِمْ وَهَلْ يُعْطَى الْغَارِمُ مِنْهَا أَمْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إجَازَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَصْرِفُهَا كَالزَّكَاةِ أَيْ فَتُصْرَفُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَقْصُورٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَبِيدِ وَالْغَنِيِّ عَلَى تَقْيِيدِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهَا لِغَيْرِهِمْ فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ الشَّيْخِ، انْتَهَى. كَلَامُ الشَّارِحِ.

(قُلْتُ) : أَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِذَ حِينَئِذٍ بِوَصْفِ الْفَقْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لَهُ، وَأَنَّهَا لَا تُصْرَفُ فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ وَلَا لِغَارِمٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ، وَنَصُّهُ: وَالْمُخْرَجُ إلَيْهِ مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فِي يَوْمِهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ، وَأَمَّا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي صَرْفُهَا لِغَيْرِ الْفَقِيرِ، وَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَمُعْتَرَضٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الشَّارِحُ فِي شَامِلِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ لَكِنَّهُ حَكَاهُ بِقِيلِ، فَقَالَ وَمَصْرِفُهَا حُرٌّ مُسْلِمٌ فَقِيرٌ، وَقِيلَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُهَا لَا لِغَنِيٍّ وَعَبْدٍ وَمُؤَلَّفٍ، انْتَهَى. فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ إلَى مَا قَالَهُ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَالَ الشَّارِح فِي الْكَبِيرِ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " فَقِيرٌ " عَلَى أَنَّهَا تُدْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْ الْفَقِيرِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهَا تُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَهَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِهَا لِأَهْلِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْأَظْهَرِ وَلِلْمَرْأَةِ دَفْعُهَا لِزَوْجِهَا الْفَقِيرِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا لَهَا وَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ وَمَنْع أَيْسَرَ بَعْدَ أَعْوَامٍ لَمْ يَقْبِضْهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

(الْخَامِسُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ - أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْنُوهُمْ - يُغْنِي الْمَسَاكِينَ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرُوِيَ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» ، وَرُوِيَ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.

[كِتَابُ الصِّيَامِ]

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الصِّيَامُ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَالْكَفُّ وَالتَّرْكُ، وَأَمْسَكَ عَنْ الشَّيْءِ وَكَفَّ عَنْهُ وَتَرَكَهُ فَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] . أَيْ صَمْتًا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ وَالْكَفُّ عَنْهُ، قَالَ النَّابِغَةُ:

خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

يُرِيدُ بِصَائِمَةٍ وَاقِفَةً مُمْسِكَةً عَنْ الْحَرَكَةِ وَالْجَوَلَانِ، وَقَوْلُهُمْ صَامَ النَّهَارُ مَعْنَاهُ إذَا انْتَصَفَ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ فَكَأَنَّهَا وَاقِفَةٌ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ لِإِبْطَاءِ مَشْيِهَا وَالْعَرَبُ قَدْ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا قَرُبَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ: الصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ قَالَ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>