وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخَّرَهَا الْوَاجِدُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهَا أَخْرَجَهَا عَمَّا فَرَّطَ مِنْ السِّنِينَ عَنْهُ وَعَمَّنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْهُ فِي كُلِّ عَامٍ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى مَالِهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَأَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فِي وَقْتِهَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا ضَمِنَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ تَلِفَ مَالُهُ وَبَقِيَتْ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَحَيْثُ تَعَيَّنَتْ ثُمَّ ذَهَبَتْ أَوْ ذَهَبَ مَالُهُ أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ ثُمَّ وَجَدَهَا، قَالَ سَنَدٌ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُنَفِّذُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَهْلِ الدَّيْنِ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ فِي أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالْمَقْصُودَ فِي الْأُضْحِيَّةِ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ، وَقَدْ فَاتَ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْوَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ)
ش: خَتَمَ الْبَابَ بِبَيَانِ مَصْرِفِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَقَالَ: وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُدْفَعُ لَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) الْحُرِّيَّةُ، (وَالثَّانِي) الْإِسْلَامُ، (وَالثَّالِثُ) الْفَقْرُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا فَلَا تُدْفَعُ لِعَبْدٍ وَلَا لِمَنْ فِيهِ شَائِبَةٌ وَلَا لِكَافِرٍ وَلَا لِغَنِيٍّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْطَاهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا الْعَبْدُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ: وَلَا الْأَغْنِيَاءُ فَإِنْ أَعْطَاهَا مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ اسْتَرْجَعَهَا، وَإِنْ أَكَلُوهَا وَصَانُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ ضَمِنُوهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ بِسَبَبٍ مِنْ اللَّهِ نُظِرَ فَإِنْ غَرُّوا ضَمِنُوا، وَإِنْ لَمْ يَغِرُّوا لَمْ يَضْمَنُوا، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ فَقِيلَ: هُوَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ زَكَاةُ الْعَيْنِ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ لَا يُعْطَاهَا مَنْ أَخْرَجَهَا وَلَا يُعْطَى فَقِيرٌ أَكْثَرَ مِنْ زَكَاةِ إنْسَانٍ وَهُوَ صَاعٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» فَالْقَصْدُ غَنَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْقَصْدُ بِمَا سِوَاهَا مِنْ الزَّكَاةِ مَا يُغْنِيهِ عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ قِيلَ: يُعْطَى مَا فِيهِ كَفَافٌ لِسَنَةٍ، وَلِذَا قِيلَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الزَّكَاةَ مَنْ لَهُ نِصَابٌ لَا كِفَايَةَ فِيهِ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى زَكَاةَ الْفِطْرِ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا، انْتَهَى. فَأَوَّلُ كَلَامِهِ يُخَالِفُ آخِرَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا تَحِلُّ لَهُ زَكَاةُ الْعَيْنِ " يَقْتَضِي جَوَازَ دَفْعِهَا لِمَالِكِ النِّصَابِ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا لَا تُعْطَى لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِآخِرِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ آخِرًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ صَدَقَةٍ إنْسَانٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ مَصْرِفِهَا فَقِيرَ الزَّكَاةِ أَوْ عَادِمَ قُوتِ يَوْمِهِ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: وَخَرَجَ عَلَيْهَا إعْطَاؤُهَا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا فَقَطْ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِعَجْزِ قِيمَتِهِ عَنْ نِصَابٍ أَوْ كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، انْتَهَى.
فَانْظُرْهُ فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي تُصْرَفُ لَهُ الْفِطْرَةُ هُوَ فَقِيرُ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّصَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُعْطَى الْوَاحِدُ عَنْ مُتَعَدِّدٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تُصْرَفُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute