للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: ١٠١] أَيْ سَافَرْتُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ضَرَبَ الْمُقَارِضُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرُ بِهِ وَيَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ لِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الضَّرْبِ بِمَالِهِ الْكَعْبَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ مِنْ فَاعِلِهِ وَغَيْرُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ لَهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَحَمَلَ اللَّخْمِيُّ هَذَا عَلَى الضَّرْبِ حَقِيقَةً، قَالَ: ظَاهِرُهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الضَّرْبَ الَّذِي هُوَ السَّيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: قَوْلُهُ هُنَا يُنَاقِضُ مَا قَالَ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ الِانْطِلَاقُ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَنَا أَضْرِبُ قَدْ عَبَّرَ بِلَفْظٍ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَبِغَيْرِ لَفْظِ الرُّكُوبِ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُهُ الشَّيْخُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَا ذَكَرَ الْبَيْتَ أَوْ بَعْضَهُ، وَهُنَاكَ إنَّمَا ذَكَرَ مَكَّةَ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ أَضَافَ السَّيْرَ وَالذَّهَابَ إلَى الْبَيْتِ لَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ هُنَا يَلْزَمُهُ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَضْرِبُ بِكَذَا فِي الْبَيْتِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الضَّرْبَ الْحَقِيقِيَّ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ السَّيْرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَمْلَهُ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ رَاكِبًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ حَمْلَهُ فَعِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ يَفْصِلُ فِيهِ إنْ كَانَ يَقْوَى عَلَيْهِ فَمِثْلُ الْأَوَّلِ وَإِلَّا مَشَى وَأَهْدَى، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي وَيُهْدِي وَيَدْفَعُ مَا سَمَّى إنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ هَدْيٍ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَنْزُ الْكَعْبَةِ الْمَالُ الْمُجْتَمِعُ مِمَّا يُهْدَى إلَيْهَا بَعْدَ نَفَقَةِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ كَنْزِ الْكَعْبَةِ مَا تُحَلَّى بِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حِلْيَتَهَا حَبْسٌ عَلَيْهَا كَحُصْرِهَا وَقَنَادِيلِهَا لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي غَيْرِهَا، وَحُكْمُ حُلِيِّهَا حُكْمُ حِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحْبَسَيْنِ، انْتَهَى.

[الفرع الثَّانِي النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ]

(الثَّانِي) وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهَا خِدْمَتَهَا وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوْ مُطْلَقَ أَهْلِ الْحَرَمِ فَيُصْرَفُ لِمَنْ قَصَدَ، أَوْ يَقْصِدَ أَنْ يُصْرَفَ فِي مَصَالِحِهَا، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ طِيبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُصْرَفَ فِي غَالِبِ مَا يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِنُذُورِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الفرع الثَّالِثُ وَنَذْرُ شَيْءٍ لِمَيِّتٍ صَالِحٍ مُعَظَّمٍ فِي نَفْسِ النَّاذِرِ]

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَذْرُ شَيْءٍ لِمَيِّتٍ صَالِحٍ مُعَظَّمٍ فِي نَفْسِ النَّاذِرِ لَا أَعْرِفُ نَصًّا فِيهِ، وَأَرَى إنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ كَوْنِ الثَّوَابِ لِلْمَيِّتِ تَصَدَّقَ بِهِ بِمَوْضِعِ النَّاذِرِ، وَإِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لِقَبْرِهِ أَوْ زَاوِيَتِهِ تَعَيَّنَ لَهُمْ إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ لَهُمْ، انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَقَالَ: الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ: وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا الْإِمَامَ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ عَمَّا يَأْتِي إلَى الْمَوْتَى مِنْ الْفُتُوحِ وَيُوعَدُونَ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ بَلَّغْتَ كَذَا لِسَيِّدِي فُلَانٍ كَذَا مَا يُصْنَعُ بِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قَصْدِ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْمَيِّتِ تَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ يَكُونُونَ عِنْدَهُ فَلْيُدْفَعْ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ فَلْيُنْظَرْ عَادَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي قَصْدِهِمْ الصَّدَقَةَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ ذُرِّيَّةُ الْوَلِيِّ فِيمَا يُؤْتَى بِهِ إلَيْهِ مِنْ الْفُتُوحِ فَلْيُنْظَرْ قَصْدَ الْآتِي بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ حُمِلَ عَلَى الْعَادَةِ فِي إعْطَاءِ ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لَهُمْ أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَسَمِعْتُهُ حِينَ سُئِلَ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى سَيِّدِي مُحْرِزٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَقَالَ: يُعْطِي ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ عَلَى بَابِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ: وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا إذَا عَلِمْنَا نَذْرَهُ وَجَهِلْنَا قَصْدَهُ وَتَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ فَعَلَى مَاذَا يُحْمَلُ؟ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ بِمَوْضِعِ النَّاذِرِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَنْذِرُ شَيْئًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

. ص (أَوْ أَهْدَى لِغَيْرِ مَكَّةَ)

ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا الْتَزَمَ هَدْيًا لِغَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يَفْعَلْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَسَوْقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>