الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ فِي مَسْأَلَةِ يَا دَايِمَ الْمَعْرُوفِ} ، وَخَالَفَهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَأَلَّفَ جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ سَمَّاهُ {الْقَوْلُ الْمَأْلُوفُ فِي الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِ الْمَعْرُوفِ} ، وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ: فَعُلِمَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ قَدْ أَتَى بِسُنَّةٍ شَرِيفَةٍ، وَهِيَ الدُّعَاءُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَرْجُوِّ الْإِجَابَةُ، وَكَوْنُهُ جَهَرَ بِهِ مُلْتَحِقٌ بِالْمَوَاطِنِ الَّتِي جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْجَهْرِ فِيهَا فَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُنَّةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ يَعْنِي الْبِقَاعِيَّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَيْسَ بِمُنْحَطِّ الرُّتْبَةِ عَنْ التَّسْبِيحِ الَّذِي كَادَ يُسَمِّيهِ سُنَّةً انْتَهَى.
يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ مَشْرُوعٌ، وَأَمَّا الْمَفْسَدَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْبِقَاعِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مُتَّصِلًا بِالْأَذَانِ وَبِصَوْتِ الْأَذَانِ عَلَى الْمَنَارِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ]
(فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مُحْدَثٌ، وَكَرِهَهُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا الْأَذَانُ، وَالْإِقَامَةُ فَقَطْ فَأَمَّا دُعَاءٌ فِي آخِرِ الْأَذَانِ غَيْرَهُمَا فَلَا، وَاسْتَحَبَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُثَوَّبَ فِي الصُّبْحِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو شُجَاعٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّثْوِيبُ الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ يُرِيدُ بِهِ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " قَالَ: وَالثَّانِي بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَرَوَى مَنْ احْتَجَّ لَهُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ بِلَالًا كَانَ إذَا أَذَّنَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ» ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَرَوَوْا أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ جَاءَ أَبُو مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَيْحَكَ أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ ، مَا كَانَ فِي دُعَائِكَ الَّذِي دَعَوْتَ، مَا نَأْتِيكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا وَلَوْ كَانَ سُنَّةً لَمْ يُنْكِرْهُ إمَامُنَا مَالِكٌ فَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ التَّثْوِيبُ بِصَوَابٍ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ: أَنَّ التَّثْوِيبَ بَعْدَ الْأَذَانِ فِي الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ، حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ عَلَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: وَتَنَحْنُحُ الْمُؤَذِّنِ فِي السَّحَرِ فِي رَمَضَانَ مُحْدَثٌ وَكَرِهَهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَحْنَحُونَ لِيُعْلِمُوا النَّاسَ بِالْفَجْرِ فَيَرْكَعُونَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَرَآهُ مِمَّا اُبْتُدِعَ، قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ حَدَثَ فِي عَهْدِ مُعَاوِيَةَ فَكَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ عَلَى الصَّوْمَعَةِ دَارَ إلَى الْأَمِيرِ، وَاخْتَصَّهُ بِأَذَانٍ ثَانٍ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةَ إلَى حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ يَقُولُ: الصَّلَاةُ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.
وَأَقَرَّ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازُهُ وَذَكَرَ فِي صِفَةِ التَّسْلِيمِ أَنْ يَقُولَ: " السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ". قَالَ وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ، وَعَادَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَمْنَعُ مِنْ ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحْدَثَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ: التَّثْوِيبُ ضَلَالٌ أَنَّهُ أَرَادَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا التَّثْوِيبُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ اسْمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَابَ إلَيْهِ جِسْمُهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْمَرَضِ، وَمِنْهُ: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: ١٢٥] أَيْ مَرْجِعًا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَصْلُهُ مِنْ الْإِعْلَامِ يُقَالُ: ثَوَّبَ إذَا لَوَّحَ بِثَوْبِهِ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ، وَقَالَ فِي الزَّاهِي: وَيَدْعُو الْمُؤَذِّنُ سُلْطَانَهُ بِأَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَيَدُورُ فِي الْأَذَانِ، وَالتَّثْوِيبُ مِنْ الضَّلَالِ انْتَهَى. وَهُوَ نَحْوُ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ بِلَفْظِ التَّثْوِيبِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: هُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَلَامُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ فِي رَسْمِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَلَفْظُهُ: " وَسُئِلَ عَنْ التَّثْوِيبِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute