للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ سَنَدٌ فِي أَوَّلِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ لَيْلًا أَوْ ضِيقَ نَهَارُهُ أَنْ يَبِيتَ بِذِي طُوًى، فَإِذَا أَصْبَحَ وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ اغْتَسَلَ انْتَهَى.

وَقَالَ أَيْضًا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ عَلَى طُهْرٍ لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ إتْيَانِ مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طُوًى، وَهُوَ الْوَادِي الَّذِي تَحْتَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيُسَمَّى الزَّاهِرَ، وَاغْتِسَالُهُ فِيهِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلَا تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَهُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَتَدَلَّكُ فِيهِ بِغَيْرِ إمْرَارِ الْيَدِ بِرِفْقٍ لِئَلَّا يُزِيلَ الشَّعَثَ كَسَائِرِ غُسُولَاتِ الْحَجِّ الَّتِي دَاخِلَ إحْرَامِهِ، وَنُزُولُهُ لِمَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَأَنْ يَبِيتَ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَدْخُلَ مَكَّةَ ضُحًى.

ص (وَالْبَيْتِ) ش أَيْ: يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَهَارٍ فَقَدْ أُخِذَ بِجَوَازِ دُخُولِهَا لَيْلًا مِنْ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ شَيْبَةَ بِالسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ لِيَفْتَحَهَا لَهَا لَيْلًا فَاعْتَذَرَ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْتَحْهَا لَيْلًا لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا فِي الْإِسْلَامِ فَوَافَقَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ بِهَا إلَى الْحِجْرِ، وَقَالَ لَهَا صَلِّي فِيهِ، وَلَا يُقَالُ: يُؤْخَذُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا وَافَقَهُ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ وَتَأْلِيفًا لَهُ بِدَلِيلِ إتْيَانِهِ بِهَا إلَى الْحِجْرِ.

[فَرْعٌ التَّنَفُّلُ فِي الْبَيْتِ الحرام]

(فَرْعٌ) : وَيُسْتَحَبُّ التَّنَفُّلُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَعَنْ دُخُولِهِ عَلَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ فَقَالَ ذَلِكَ وَاسِعٌ حَسَنٌ. انْتَهَى.

(فَرْعٌ) : وَيُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلَى الْبَيْتِ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ فِي شَرْحِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اخْتَصَرَهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

ص (وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ) ش هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو الْجُزُولِيُّ يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهُ لِكُلِّ دَاخِلٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ اسْتِحْبَابُ الدُّخُولِ مِنْ كَدَاءٍ، كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِ الدَّاخِلِ إلَى مَكَّةَ فَيَعْرُجُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إنَّمَا دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي طَرِيقِهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِهِ، وَلَا أَعْلَمُ هَذَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَلَا مَسْنُونًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ، وَكَانَ دُخُولُنَا مِنْ كَدَاءٍ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ إذْ الدُّخُولُ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ كَانَتْ عَلَى طَرِيقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوِّجَ إلَيْهَا وَيَعْرُجَ عَلَيْهَا انْتَهَى.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّمَا اسْتَحَبَّ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ تَصْعَدُ إلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: ٢٧] الْآيَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ يَأْتُوكَ، وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ: الثَّنِيَّةُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ هَذِهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحِكْمَةُ دُخُولِهَا مِنْ أَعْلَاهَا قِيلَ: لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ إذْ قَالَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ:) ضَبَطَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ كَدَاءَ الْأَوَّلَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَدَاءَ الثَّانِيَةَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ غَلَطٌ إنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ كُدًى وَكَدَاءَ فِي بَابِ الْكَافِ مَعَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَعَلَّهُ تَوَهُّمٌ مِمَّا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ مَوْعِدُكِ كَذَا، فَإِنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لَكِنْ قَدْ قَالُوا فِيهِ: إنَّ كَذَا فِيهِ لَيْسَ هُوَ الثَّنِيَّةَ إنَّمَا هُوَ اسْمٌ تَنَفَّلْهُ بِهِ عَنْ مَوْضِعٍ، وَنَقَلَ هَذَا الْكَلَامَ التَّادَلِيُّ فِي مَنْسَكِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَالْمَسْجِدُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) ش

<<  <  ج: ص:  >  >>