للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِمَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ انْتَهَى.

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلِي مَا وُكِّلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّهُ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا قَدْ عُرِفَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِذَلِكَ فَرِضَاهُ بِالْوَكَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى، وَهَذَا مُتَعَدٍّ بِالْوَكَالَةِ وَضَامِنٌ لِلْمَالِ وَرَبُّ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى الْوَكِيلُ وَوَكَّلَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَإِنْ عَلِمَ وَكِيلُهُ بِالتَّعَدِّي، فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْبَيْعِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ ضَعْ الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِ عَدْلٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَيْرِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْوَكَالَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: لَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (فَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ)

ش: يَعْنِي فَإِذَا أَجَزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْوَكِيلِ عَنْ الْأَصْلِ إذْ أَنَّا لَا نُجِيزُ لَهُ الْوَكَالَةَ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَنَحْوُهُ لِلْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا فَلَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِمَوْتِ الْأَوَّلِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَزْلِهِ وَمَوْتِهِ وَرَآهُ مَنْصُوصًا وَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ لَا يَنْعَزِلُ إذَا عَزَلَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَتَخَرَّجُ فِي هَذَا الْفَرْعِ خِلَافٌ مِنْ وَكِيلِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا هَلْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي أَوْ عَنْ وَالِدِ الْمَيِّتِ؟ وَتَقْدِيمُ الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ جُبْرَانٌ لِمَا أَهْمَلَهُ الْمَيِّتُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي قَدَّمَ نَاظِرًا عَلَى الْمَيِّتِ لَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ عَزْلًا لِذَلِكَ النَّاظِرِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ: (قُلْت) : فِي هَذَا الْكَلَامِ تَنَافٍ بَيَانُهُ أَنَّهُ نَقَلَ أَوَّلًا الْقَوْلَ بِأَنَّ نَاظِرَ الْيَتِيمِ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي لَا عَنْ الْأَبِ وَلَازِمُ هَذَا انْعِزَالُ النَّاظِرِ بِمَوْتِ الْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ: بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْقَاضِي لَمْ يَنْعَزِلْ النَّاظِرُ وَظَاهِرُهُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ خِلَافٌ لَازِمٌ، كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي، وَالْقَوْلُ بِانْعِزَالِ نَاظِرِ الْيَتِيمِ بِمَوْتِ الْقَاضِي ثَابِتٌ فِي الْمَذْهَبِ حَسْبَمَا يُذْكَرُ فِي الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْ هَذَا التَّنَافِي، فَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ فَرْقٌ مَانِعٌ مِنْ التَّخْرِيجِ كَمَا زَعَمَ هُوَ أَنَّ نَاظِرَ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ فِي قَوْلٍ وَوَكِيلُ الْوَكِيلِ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ لَا عَنْ الْوَكِيلِ، وَهَذَا يُرَدُّ بِمَنْعِ انْحِصَارِ نِيَابَةِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ وَاسْتِقْلَالُهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِبًا عَنْهُ لَمَا صَحَّ عَزْلُهُ إيَّاهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ نِيَابَةَ الْقَاضِي عَنْ الْأَبِ إنَّمَا هِيَ بِأَمْرٍ عَامٍّ، وَهُوَ وِلَايَتُهُ الصَّالِحَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَدَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَنِيَابَةُ الْوَكِيلِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إنَّمَا هِيَ بِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ، فَهِيَ كَدَلَالَةِ الْخَاصِّ عَلَى نَفْسِ مَدْلُولِهِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْعَامِّ اتِّفَاقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْصِ أَثَرِ الْأَضْعَفِ نَقْصُ أَثَرِ الْأَقْوَى اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَرْعٌ: وَهُوَ أَنَّ لِلْوَكِيلِ عَزْلَ وَكِيلِهِ اتِّفَاقًا وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ فَرْعًا آخَرَ وَنَصُّهُ: (فَإِنْ قُلْت) : رَجُلٌ غَيْرُ الْحَاكِمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَ رَجُلٍ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي عَزْلِهِ، وَلَا عَلَّقَ عَزْلَهُ عَلَى شَيْءٍ.

(قُلْت) : إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَلِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ عَزْلُ وَكِيلِ وَكِيلِهِ اهـ. وَهَذَا الْفَرْعُ وَفَرْعُ ابْنِ عَرَفَةَ فَرْعَانِ عَزِيزَانِ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِ الَّذِي وَكَّلَهُ، وَيَنْعَزِلَانِ مَعًا بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ قَبَضَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِ مُوَكِّلِهِ]

(فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: مَا قَبَضَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>