وَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْخِيَارِ لِيَخْتَبِرَ سَيْرَهَا وَحَمْلَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عِمْرَانَ، أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَرِطَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ وَقَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا الْخِلَافَ هَلْ هُوَ فِي رُكُوبِهَا فِي الْبَلَدِ، أَوْ فِيهِ وَفِي السَّفَرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ: هُوَ خِلَافُ قَوْلِ عِيَاضٍ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا يَرْكَبُ إلَّا بِشَرْطٍ كَقَوْلِهَا: إنْ شَرَطَ وَقَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ يَرْكَبَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ كَانَ الرُّكُوبُ عُرْفًا فِي اخْتِبَارِهَا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهَاتٌ فِي الْخِيَارِ]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) أَتَى بِالْكَافِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا لِيُدْخِلَ مَا قَارَبَهَا فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ: الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ وَالْجُمُعَةُ وَنَحْوُهَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ مَكْرُوهَةٌ، وَلَا يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ.
(الثَّانِي:) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِيَارِ لِاخْتِيَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِيَارِ لِاخْتِيَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ، وَكَانَ الْأَجَلُ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ الْأَمَدُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ دِينَارًا كَالْعِشْرِينَ، وَلَا الْعِشْرُونَ كَالْمِائَةِ، وَلَا الْمِائَةُ كَالْأَلْفِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ التُّونُسِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ الْأَجَلُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَنَصَّهُ.
التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ يَخْتَلِفُ أَمَدُهُ بِحَسَبِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ لِخِبْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ فَقَالَ التُّونُسِيُّ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الدَّارِ شَهْرًا لِلتَّرَوِّي لَمْ يَجُزْ إلَّا ثَلَاثَةٌ اللَّخْمِيُّ: التَّرَوِّي بِحَسَبِ قَدْرِ الثَّمَنِ لَيْسَ الدِّينَارُ كَالْعَشَرَةِ، وَلَا هُمَا كَالْمِائَةِ، وَلَا هِيَ كَالْأَلْفِ اهـ.
(قُلْت) مَا نَقَلَهُ عَنْ التُّونُسِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ بَلْ كَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِيَارَ: إنْ كَانَ لِاخْتِبَارِ الْمَبِيعِ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَا نَصُّهُ: شَرَطَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ، وَفِي الْجَارِيَةِ جُمُعَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الِاخْتِبَارَ إذْ الْمَشُورَةُ تَكُونُ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ لَيْسَ كَثْرَةَ السُّؤَالِ وَالْبَحْثَ عَنْ شِرَاءِ دَارٍ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ بَقَاءَهَا لَهُ وَسُكْنَاهَا وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شِرَاءُ مِثْلِهَا وَبَيْعُهَا إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ مِثْلُ شِرَاءِ سِلْعَةٍ يَقْدِرُ عَلَى الِانْفِصَالِ مِنْهَا وَبَيْعِهَا وَشِرَاءِ مِثْلِهَا فِي ثَوْبٍ، وَكَذَلِكَ الْخَادِمُ لَا يُشْبِهُ السِّلْعَةَ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ لَوَجَبَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ ضَرْبِ شَهْرٍ فِي الدَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: بِمَاذَا ضَرَبْتَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ: لِيَخْتَبِرَ جِيرَانَهَا أَجَزْنَاهُ، وَإِنْ قَالَ: لِأَسْتَشِيرَ وَأَنْظُرَ قُلْنَا لَهُ لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَا يُضْرَبُ لَكَ فِي الِاسْتِشَارَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَهُمْ قَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ لَكَ الْخِيَارَ فِي الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ إمْكَانَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا اهـ. فَانْظُرْ كَلَامَهُ هَذَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ بَحْثٌ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ اللُّبَابِ أَنَّهُ قَوْلٌ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ، وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ عِيَاضٍ، وَمِمَّنْ سَوَّى بَيْنَ الِاخْتِبَارِ وَالْمَشُورَةِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَشُورَةِ لَا لِلِاخْتِبَارِ هَلْ يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّهُ يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الِاخْتِبَارِ وَذَهَبَ عِيَاضٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي الْكُلِّ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مُدَّةَ الْخِيَارِ فِي الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رُطَبِ الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يُشَاوِرُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إلَى رَأْيِهِمْ فَلَهُمْ مِنْ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ، وَلَا فَسَادٌ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ.
(الرَّابِعُ:) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَحْدِيدِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا بَعْدَهَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَمُدَّتُهُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ مَا فِي الدَّارِ شَهْرٌ يُرِيدُ فِي سَائِرِ الرِّبَاعِ، وَفِي الرَّقِيقِ الْخَمْسَةُ الْأَيَّامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute