للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْجِيحٍ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّ أُمَّهَا كَانَتْ تُنَظِّفُهَا لِأَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ عِيَاضٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمَامَةَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ ثِيَابَ الصَّبِيَّانِ وَأَبْدَانَهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّجَاسَةَ قَالَ الْأَبِيُّ حَمْلُ ثِيَابِ الصَّبِيَّانِ عَلَى الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ فِي صِبْيَانٍ عَلِمَتْ أَهَالِيهمْ بِالتَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ لُبْسِهِمْ لَهَا وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمَامَةَ فَحَمْلُهَا إلْغَاءُ الْحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ.

(فَرْعٌ) ثِيَابُ مَنْ الْغَالِبُ عَلَى صَنْعَتِهِ النَّجَاسَةُ كَالْمُرْضِعَةِ وَالْجَزَّارِ وَالْكَنَّافِ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الطَّهَارَةُ، وَلِذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي سُؤَالِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ عَمَّنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِهِ كَالْجَزَّارِ وَنَحْوِهِ.

[فَرْعٌ بَيْع ثَوْب جَدِيدًا بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُبَيِّنْ]

(فَرْعٌ) مَنْ بَاعَ ثَوْبًا جَدِيدًا وَبِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِبُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَدِيدًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَا إنْ كَانَ لَبِيسًا وَيَنْقُصُ بِالْغَسْلِ كَالْعِمَامَةِ وَالثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالْخُفِّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ عَيْبًا انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ ذِكْرِهِ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهِ إذَا اشْتَرَى مِنْ النَّوْعِ الَّذِي تُحْمَلُ ثِيَابُهُمْ عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَمْ تَظْهَرْ نَجَاسَةٌ انْتَهَى.

أَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْبُيُوعِ، وَأَمَّا الثِّيَابُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ ثِيَابَ الْكُفَّارِ إذَا قُلْنَا: لَا يُصَلَّى بِمَا لَبِسُوهُ حَتَّى يُغْسَلَ فَمَنْ بَاعَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَلْ ذَلِكَ عَيْبٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ فَمَا كَانَ غَسْلُهُ نَقْصًا فَهُوَ عَيْبٌ وَمَا كَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَهُوَ خَفِيفٌ وَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا غَيْرَ جَدِيدٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَاشِيَتِهِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَوَجَدَهُ لِنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ: إنْ كَانَ جَيِّدًا يُنْقِصُهُ الْغَسْلُ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَسُئِلَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا لَبِيسًا مِنْ النَّصْرَانِيِّ فَقِيلَ لَهُ: لَا يَحِلُّ لَكَ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَأَنَا أَرُدُّهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ وَجَهِلَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ إلَّا بَعْدَ الْغَسْلِ فَلَا رَدَّ لَهُ وَقَالَ سَنَدٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَمَا يُنْقِصُهُ الْغَسْلُ فَهُوَ عَيْبٌ وَلَوْ مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا فَلَا انْتَهَى. وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا بِجَامِعِ أَنَّهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

ص (وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ)

ش: ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَسُوغُ اتِّخَاذُهُ وَلُبْسُهُ مِنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَوَانِيهَا وَأَوَانِي الْجَوَاهِرِ وَمَا يُحَرَّمُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا أَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ اللِّبَاسِ وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ لُبْسَهُ مِنْهُ لَا يُصَلِّي بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ النَّجِسَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَاءَ يَحْتَاجُ إلَى إنَاءٍ يُجْعَلُ فِيهِ غَالِبًا فَبَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» وَالْكَلَامُ عَلَى لِبَاسِ الْحَرِيرِ يَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ.

وَقَوْلُهُ: " ذَكَرٍ " ظَاهِرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَمْ لَا وَأَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى وَلِيِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُلْبِسَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُلِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي حُلِيِّ الْأَصَاغِرِ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ غَيْرَهُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ تَحْلِيَةِ الصَّبِيِّ بِالْفِضَّةِ وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرَمَ بِالْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ حُلِيَّ الذَّهَبِ وَأَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ جَوَازَ تَحْلِيَتِهِمْ بِالْفِضَّةِ وَكَرَاهَةَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>