للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ أَسْقَطَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ زَادَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى مَا هُوَ أَمَدُ خِيَارِهَا فِي الْعَادَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِإِسْقَاطِ مُشْتَرِطِهِ لَهُ بِخِلَافِ مُشْتَرِطِ السَّلَفِ إذَا أَسْقَطَهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ طُولَ هَذَا الْأَمَدِ فَإِذَا اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ، فَقَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا بِالْإِمْضَاءِ إذَا أَسْقَطَ الشَّرْطَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْقَاضِي وَالْمَازِرِيِّ وَرَدَّ تَخْرِيجَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا إذَا أَسْقَطَ بَتَّ الْبَيْعِ، وَلَوْ أَسْقَطَ الزَّائِدَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَأْخَذِهِ.

(تَنْبِيهٌ:) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْفَسَادَ بِالْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الشَّامِلِ بِأَنْ تَكُونَ زَادَتْ كَثِيرًا قَالَ: وَإِلَّا كُرِهَ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَبِمُدَّةٍ جُهِلَتْ كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ زَادَتْ كَثِيرًا وَإِلَّا كُرِهَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ قَالَ: الْأَجَلُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: جَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَمْنُوعٌ، فَإِنْ كَانَ مُدَّةً تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا جَازَ، وَإِنْ زَادَ يَسِيرًا كُرِهَ، وَلَمْ يُفْسَخْ، وَإِنْ بَعُدَ الْأَجَلُ كَانَ مَفْسُوخًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْخِيَارِ فِي الرَّقِيقِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَقَعَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لَمْ أَفْسَخْهُ، وَأَفْسَخُهُ فِي الشَّهْرِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأَيَّامِ وَالْخَمْسَةُ لَا أَفْسَخُهُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَفْسَخُهُ فِي الشَّهْرِ اهـ.

(فَرْعٌ:) ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ بِالْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ إذَا كَثُرَتْ، فَهَلْ ضَمَانُ الْبَيْعِ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الصَّحِيحِ، أَوْ حُكْمُ الضَّمَانِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ فِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ بَيْعِ الْخِيَارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِالْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ: إنَّ مُصِيبَتَهَا مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ، وَالضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، فَكَيْفَ إذَا كَانَ فَاسِدًا؟ .

وَالثَّانِيَةُ لِلتُّونُسِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ: وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ طَوِيلًا جِدًّا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي أَمَدِ الْبَيْعِ مِمَّنْ ضَمَانُهَا، فَقِيلَ: مِنْ الْبَائِعِ مَا دَامَ الْخِيَارُ قَائِمًا وَقُيِّدَ لِذَلِكَ حُكْمُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ هَذَا، وَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ وَصَوَّبَ التُّونُسِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَكْفِي فِي تَرْجِيحِهِ اقْتِصَارُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ شُرِطَ فِي عَقْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ وَبَنَى الْمُبْتَاعُ وَغَرَسَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ]

(فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ سَحْنُونٌ: لَوْ شُرِطَ فِي عَقْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ وَبَنَى الْمُبْتَاعُ، وَغَرَسَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَمْ تَفُتْ بِذَلِكَ وَرُدَّ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا، وَإِنْ بَنَى بَعْدَ أَجَلِ الْخِيَارِ الْمُشْتَرَطِ فَذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ بَيْعِ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا خِلَافًا، وَذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَشَرَطَ خِيَارَ سَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِ قَبْضِهَا اهـ. فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ فَوْتًا، وَلَوْ كَانَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ سَنَتَيْنِ فَبَنَى وَغَرَسَ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَلَيْسَ فَوْتًا، وَيَكُونُ فِيهِ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا، وَإِنْ بَنَى بَعْدَ أَجَلِ الْخِيَارِ فَهُوَ فَوْتٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الدَّارِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ أَيْضًا: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ فِي الشَّامِلِ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الصِّيغَةِ يَجُوزُ إلَى سَنَةٍ، أَوْ فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُوهِمُ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي بِضَمَانِ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا بَنَى وَغَرَسَ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَأَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>