للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرَ قِبَلَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ آخَرُ فَقَضَاهُ فَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحَقٍّ قَدِيمٍ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحَقٍّ آخَرَ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ، وَأَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِبَلَهُ سِوَى هَذَا الَّذِي قَدْ قَضَاهُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ قَدِيمَةٌ وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَلِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ ثَالِثٌ انْتَهَى.

فَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ أَوْ الطَّالِبِ، فَذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَالصُّلْحِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاتَّضَحَ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ قَدِيمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي مَسْأَلَةِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْبَرَاءَةِ بَلْ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ سَقَطَ كُلُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْقَضَاءِ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ، فَيَدَّعِي الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقَّيْنِ وَأَنَّ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَقَامَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ غَيْرُ الَّذِي شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ بِقَضَائِهِ، وَيَدَّعِي الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَاهُمَا جَمِيعًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ، وَهُوَ بَيِّنٌ أَيْضًا، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الشَّرِيكَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ فَيَكْتُبُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ آخِرِ حَقٍّ قِبَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِذِكْرِ حَقٍّ قِبَلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي أَصْلِ الْبَرَاءَةِ اسْمُهُ فَادَّعَى صَاحِبُ الْبَرَاءَةِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ قَالَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ فِي حِسَابِنَا، وَيَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ إذَا تَحَاسَبُوا دَخَلَ أَشْبَاهُ هَذَا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ كَانَ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ فِيهِ شُهَدَاءُ أَخَذَ بِمَا فِيهِ لَمْ يَتَحَاسَبُوا لِيَبْرَأَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَبَاعَةِ بَعْضٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ الَّذِي قَامَ بِهِ الطَّالِبُ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا.

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ إذَا كَانَتْ بِتَوَارِيخَ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهَذَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَكْرَى دَارًا مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَاةً إنْ دَفَعَ كِرَاءً شَهْرًا وَسَنَةً بَرَاءَةً لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، وَمِثْلُ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِي الَّذِي يُبَارِئُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنْ تَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ تَطْلُبُهُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعَ أَوْ يُعْطِيهَا هَذَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إذَا قَامَ بِذِكْرِ حَقٍّ، فَزَعَمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَزَعَمَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَضَى تَحْصِيلُهَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ انْتَهَى.

[تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ إذَا حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى]

(تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ إذَا حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى وَإِنَّهَا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ كَانَتْ الْيَمِينُ يَمِينَ تُهْمَةٍ وَتَجْرِي عَلَى أَيْمَانِ التُّهَمِ قَالَ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ أَيْضًا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَضَاهُ وَاكْتَتَبَ مِنْهُ بَرَاءَةً فِيهَا، وَهُوَ آخِرُ حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَأْتِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ أَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ دَخَلَ هَذَا الذِّكْرُ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ، وَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّالِبَ لَمَّا أَتَى بِذِكْرِ الْحَقِّ أُشْكِلَ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا إمَّا لِكَوْنِهِمَا مُؤَرَّخَيْنِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ عَارِيَّيْنِ مِنْ التَّارِيخِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَوَقَعَ قَوْلُهُ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ مُعَرًّى مِنْ الضَّبْطِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ الطَّالِبَ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ ذِكْرُ الْحَقِّ الَّذِي قَامَ بِهِ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فَإِيجَابُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَقَدْ دَخَلَ هَذَا الذِّكْرُ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ دَعْوَى، فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْلُومِ فِي لُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَصَرْفِهَا وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>