للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْبَانِي فَحُكْمُهَا كَالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا أَذِنَ رَبُّهَا وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ إذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْبِنَاءُ بِأَحَدٍ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِلدَّفْنِ فَلَا يَخْلُو الْبِنَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جِدَارًا صَغِيرًا لِلتَّمْيِيزِ، أَوْ بِنَاءً كَبِيرًا كَالْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالْحَائِطِ الْكَبِيرِ.

فَأَمَّا الْجِدَارُ الصَّغِيرُ لِلتَّمْيِيزِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ: إنَّهُ جَائِزٌ وَأَبَاحَهُ الْعُلَمَاءُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: الْحَدُّ فِي ذَلِكَ مَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ الْكَثِيرُ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَأَمَّا الْأَرْضُ الْمُرْصَدَةُ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَوْقُوفَةِ بَلْ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي الْمَدْخَلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَبَاحَ الْبِنَاءَ حَوْلَ الْقَبْرِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ صَالِحًا، أَوْ عَالِمًا، أَوْ شَرِيفًا، أَوْ سُلْطَانًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَوَازُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْحَاكِمِ وَنَصُّهُ: وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إثْرَ تَصْحِيحِهِ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْكَتْبِ عَلَى الْقَبْرِ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْجَنَائِزِ وَقَالَ عَقِبَهُ: قُلْت فَيَكُونُ إجْمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَنَدُوا إلَى حَدِيثٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَفِي فَتَاوَى ابْنِ قَدَّاحٍ: إذَا جُعِلَ عَلَى قَبْرِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَخَفِيفٌ انْتَهَى.

لِأَنَّ كَلَامَ الْحَاكِمِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَتْبِ عَلَى الْقَبُورِ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَتْبِ، وَنَصُّ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِهِ: لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقُبُورِ بِحَجَرٍ وَلَا بِجِيرٍ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ حَجَرٌ لِيَكُونَ عَلَامَةً عَلَيْهِ.

وَهَلْ يُكْتَبُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ .

لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ وَعُمِلَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَخَفِيفٌ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْفُرُوعِ: قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ يَعْنِي فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ فَهُوَ عَاصٍ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ أَنَّ مَا بُنِيَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَقْفِهِ فَإِنَّ وَقْفَهُ بَاطِلٌ، وَأَنْقَاضُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ وَيُؤْمَرُ بِنَقْلِهَا مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَيَسْتَأْجِرُ الْقَاضِي عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا، ثُمَّ يُصْرَفُ الْبَاقِي فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى

[ضَرْبُ الْفُسْطَاطِ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ]

(الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ضَرْبُ الْفُسْطَاطِ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ أَجْوَزُ مِنْهُ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ؛ لِمَا يَسْتُرُ مِنْهَا عِنْدَ إقْبَارِهَا وَقَدْ ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى قَبْرِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَمَّا عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ فَأُجِيزَ وَكُرِهَ وَمَنْ كَرِهَهُ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ جِهَةِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَكَرِهَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ ضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَبْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَرَاهُ وَاسِعًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَيُبَاتَ فِيهِ إذَا خِيفَ مِنْ نَبْشٍ، أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: ضَرْبُ الْخِبَاءَ عَلَى الْقَبْرِ فِيهِ قَوْلَانِ: بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ فَإِنْ، أَوْصَى بِهِ أُنْفِذَ لِلْخِلَافِ وَكَذَلِكَ إذَا، أَوْصَى بِأُجْرَةٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ كَالْأُجْرَةِ عَلَى الْحَجِّ انْتَهَى

[يَحْفِرَ قَبْرًا لِيُدْفَنَ فِيهِ]

(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ قَبْرًا لِيُدْفَنَ فِيهِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ سَبَقَ كَانَ أَوْلَى بِالْمَوْضِعِ مِنْهُ وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَصْبَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ حُفِرَ لَهُ انْتَهَى مِنْ فَصْلِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ: وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ يَعْنِي حَفْرَ قَبْرٍ لِلْحَيِّ ابْتِدَاءً وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَمُوتُ هُنَا أَمْ لَا وَقَدْ يَمُوتُ بِغَيْرِهِ وَيَحْسَبُ غَيْرُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْقَبْرِ أَحَدًا فَيَكُونُ غَاصِبًا لِذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ «مَنْ غَصَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>