للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ تُؤْتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ تُعَنْ عَلَيْهَا وَإِنْ تُؤْتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ تُوَكَّلْ إلَيْهَا» ، انْتَهَى.

وَقَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: الْقَضَاءُ مِحْنَةٌ وَبَلِيَّةٌ وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ عَسِرٌ فَالْهُرُوبُ مِنْهُ وَاجِبٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَطَلَبُهُ نُوكٌ وَإِنْ كَانَ حِسْبَةً، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إذَا خَلَصَتْ نِيَّتُهُ لِلْحِسْبَةِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَلِيَهُ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، انْتَهَى. وَالنُّوكُ بِالضَّمِّ الْحُمْقُ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:

وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ

وَالنَّوَاكَةُ الْحَمَاقَةُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إنْ خَافَ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ أَنْ يُوَلَّى مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ أَنَّ لَهُ طَلَبُهُ وَقَدْ تَحَقَّقْت بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِنَا وَكَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالصَّلَاحِ لَمَّا وَقَعَ النَّظَرُ بِتُونِسَ فِي وِلَايَةِ قَاضِي الْأَنْكِحَةِ تَسَبَّبَ فِي وِلَايَتِهَا تَسَبُّبًا ظَاهِرًا عَلِمَهُ الْقَرِيبُ مِنْهُ وَالْبَعِيدُ وَمَا أَظُنُّهُ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لَمَّا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: يَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ السَّعْيُ فِي طَلَبِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَلِهِ ضَاعَتْ الْحُقُوقُ أَوْ وَلِيَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ أَنْ يُوَلَّى، وَكَذَلِكَ إنْ وَلِيَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ وِلَايَتُهُ تَوْلِيَتُهُ وَلَا سَبِيلَ لِعَزْلِهِ إلَّا بِطَلَبِهِ، انْتَهَى.

[فَرْعٌ تَحْصِيلُ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ]

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا تَحْصِيلُ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ شُرَيْحٍ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: مَنْ تَقَبَّلَ الْقَضَاءَ بِقَبَالَةٍ وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ بِحَقٍّ، قَالَ: وَإِنْ أَعْطَى رِشْوَةً عَلَى عَزْلِ قَاضٍ لِيُوَلَّى هُوَ مَكَانَهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ أَعْطَاهَا عَلَى عَزْلِهِ دُونَ وِلَايَةٍ فَعُزِلَ الْأَوَّلُ بِرِشْوَةٍ ثُمَّ اسْتَقْضَى هُوَ مَكَانَهُ بِغَيْرِ رِشْوَةٍ نَظَرَ فِي الْمَعْزُولِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَإِعْطَاءُ الرِّشْوَةِ عَلَى عَزْلِهِ حَرَامٌ وَالْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَزَلَهُ تَابَ فَرَدَّ الرِّشْوَةَ قَبْلَ عَزْلِهِ وَقَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ أَيْضًا بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَابَ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَعْزُولُ جَائِرًا لَمْ يَبْطُلْ قَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ أَبُو الْعَبَّاسِ (قُلْتُ) هَذَا تَخْرِيجًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ، انْتَهَى.

ص (وَحَرُمَ لِجَاهِلٍ وَطَالِبِ دُنْيَا)

ش: لَوْ قَالَ عِوَضُ قَوْلِهِ لِجَاهِلٍ لِغَيْرِ أَهْلِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَحْرُمُ طَلَبُهُ عَلَى فَاقِدِ أَهْلِيَّتِهِ، انْتَهَى. لَكَانَ أَتَمَّ (فَائِدَةٌ) وَيَحْرُمُ السَّعْيُ عَلَى مَنْ قَصَدَ بِالسَّعْيِ الِانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ.

ص (وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمُهُ)

ش: نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَزَادَ مَعَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَلَهُ عِيَالٌ وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِهِ لِسَدِّ خُلَّتِهِ وَنَصُّهُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِمُجْتَهِدٍ خَفِيَ عِلْمُهُ وَأَرَادَ إظْهَارَهُ بِوِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ أَوْ لِعَاجِزٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إلَّا بِرِزْقِ الْقَضَاءِ الْمَازِرِيُّ وَلَا يُقْتَصَرُ بِالِاسْتِحْبَابِ عَلَى هَذَيْنِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْأَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَعَبَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَدْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَرَى أَنَّهُ أَنْهَضُ بِهِ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ آخَرَ يُوَلَّاهُ وَهُوَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ وَلَكِنَّهُ مُقَصِّرٌ عَنْ هَذَا، انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ بِهِ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ فَعَدَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْقِسْمِ الْمُبَاحِ، قَالَ: وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ فِي الْوَجْهِ الْمُسْتَحَبِّ، وَكَذَلِكَ عَدَّ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْقِسْمِ الْمُبَاحِ مَا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَطَلَبَهُ لِسَدِّ خُلَّتِهِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَعَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا مَشْهُورًا يَنْفَعُ النَّاسَ بِعِلْمِهِ وَخَافَ إنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ السَّعْيُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَفِي كَوْنِهِ فِي حَقِّ الْمَشْهُورِ عِلْمُهُ الْغَنِيِّ مَكْرُوهًا أَوْ مُبَاحًا نَظَرٌ، قَالَ: وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَدُلُّ عَلَى الْإِبْعَادِ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>