بَهْرَامَ لَفْظٌ وَالطَّلَبُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلطَّلَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّزُومَ مَشْرُوطٌ بِعَرْضِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ طَلَبُهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ قَاضٍ أَوْ يَكُونُ وَلَكِنْ تَحْرُمُ وِلَايَتُهُ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ تَضِيعُ الْحُقُوقُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ إذَا خَافَ ضَيَاعَ الْحُقُوقِ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ ثُبُوتُهَا وَانْظُرْ إذَا قِيلَ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ فَطَلَبَ فَمُنِعَ مِنْ التَّوْلِيَةِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا كَمَا سَيَأْتِي إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ إذَا تَعَيَّنَ إذَا كَانَ يُعَانُ عَلَى الْحُقُوقِ، وَبَذْلُ الْمَالِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يُعَنْ عَلَى تَرْكِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْعِ الْآتِي لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ أَيْ: الْقَضَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا انْفَرَدَ بِشَرَائِطَ تَعَيَّنَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قِيلَ إنَّ عِلْمَ الْقَضَاءِ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِلْمَ الْقَضَاءِ أَوْ لَازِمًا لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ إنْسَانٍ يَرْفَعُ النِّزَاعَ الْوَاقِعَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ فِي الْبَلَدِ مِنْ وَاحِدٍ وَمِنْ عَدَدٍ قَلِيلٍ كَانَ هَذَا الْفَرْضُ فِيهِ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا تَعَدَّدَ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ فَإِنْ اتَّحَدَ تَعَيَّنَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ مَرْتَبَةُ الْقَاضِي فِي الدِّينِ حِينَ كَانَ الْقَاضِي يُعَانُ عَلَى مَا وَلِيَهُ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَحْكُمُ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا صَارَ الْقَاضِي لَا يُعَانُ بَلْ مَنْ وَلَّاهُ رُبَّمَا أَعَانَ عَلَيْهِ مَنْ مَقْصُودُهُ بُلُوغُ هَوَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبَ يَنْقَلِبُ مُحَرَّمًا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ أَكْثَرَ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَانِنَا أَسْمَاءٌ شَرِيفَةٌ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ خَسِيسَةٍ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا (قُلْتُ) وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ وَبِصِحَّةِ خَبَرِهِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْقَاضِي بِتُونُسَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ فَدَّاحٍ تَكَلَّمَ أَهْلُ مَجْلِسِ السُّلْطَانِ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ فَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ بَعْضُ كِبَار أَهْلِ الْمَجْلِسِ: إنَّهُ شَدِيدُ الْأَمْرِ وَلَا تُطِيقُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَسْتَخْبِرُ أَمْرَهُ فَدَسُّوا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الْمُوَحِّدِينَ كَانَ جَارًا لَهُ يُعْرَفُ بِابْنِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: هَؤُلَاءِ امْتَنَعُوا مِنْ تَوْلِيَتِك؛ لِأَنَّك شَدِيدٌ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ: أَنَا أَعْرِفُ الْعَوَائِدَ وَأَمْشِيهَا فَحِينَئِذٍ وَلَّوْهُ مِنْ عَامِ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَامَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ خَافَ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْوِلَايَةِ فَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ مَضَرَّةِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ فِي تَسَبُّبِهِ بِوِلَايَتِهِ لِقَضَاءِ الْأَنْكِحَةِ تَسَبُّبًا ظَاهِرًا عَلِمَهُ الْقَرِيبُ مِنْهُ وَالْبَعِيدُ، قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالصَّلَاحِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ غَازِيٍّ إلَى هَذَا فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ الْقِسْمِ الْوَاجِبِ صَارَ مُحَرَّمًا فَكَيْفَ بِبَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْهَرَبُ مِنْ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَطَلَبُ السَّلَامَةِ مِنْهُ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَاجِبٌ لَازِمٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا رَجُلًا لِيُوَلِّيَهُ فَأَبَى فَجَعَلَ يُدِيرُهُ عَلَى الرِّضَا فَأَبَى ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْشُدُك اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّ ذَلِكَ تَعْلَمُ خَيْرًا لِي، قَالَ: أَنْ لَا تَلِيَ، قَالَ: فَأَعْفِنِي، قَالَ: قَدْ فَعَلْت ثُمَّ قَالَ: وَطَلَبُ الْقَضَاءِ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَتَكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَ الْفَاطِمَةُ فَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَأَرَادَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَامْتُحِنَ بِهِ وَهُوَ كَارِهٌ لَهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَا اسْتَعَانَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute