للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَانَ عِنْدَ سَيِّدِنَا وَقُدْوَتِنَا شَيْخِ الطَّرِيقَةِ وَإِمَامِ الْحَقِيقَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ الدَّكَّالِيِّ مُدٌّ عُيِّرَ بِمُدِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مَكْتُوبٍ عِنْدَهُ فَعَايَرْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّعْبِيرِ فَكَانَ مِلْؤُهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ كُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: مِعْيَارُهُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفِّ الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ الْكَفَّيْنِ وَلَا صَغِيرِهِمَا إذْ لَيْسَ كُلُّ مَكَان يُوجَدُ فِيهِ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى. وَجَرَّبْت ذَلِكَ فَوَجَدْتُهُ صَحِيحًا، انْتَهَى.

كَلَامُ الْقَامُوسِ (الرَّابِعُ) تَقْدِيرُهَا بِالصَّاعِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤَدَّى مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ وَبِهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.

(الْخَامِسُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةَ وَلَا مُعَرَّبَةَ بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَمَعْنَى الْمُعَرَّبَةِ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ عَجَمِيَّةً فَسَاقَتْهَا الْعَرَبُ عَلَى مِنْهَاجِهَا وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ أَيْ زَكَاةُ الْخِلْقَةِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلدَّمِيرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ضَمُّهُمَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مَصْدَرُ إعْطَاءِ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ لِقُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ أَوْ جُزْئِهِ الْمُسَمَّى لِلْجُزْءِ وَالْمَقْصُورِ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْقُصُ بِإِعْطَاءِ صَاعٍ ثَانٍ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ كَالْأُضْحِيَّةِ ثَانِيَةٌ وَإِلَّا زِيدَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاسْمَا صَاعٍ إلَى آخِرِهِ يُعْطَى مُسَلَّمًا إلَى آخِرِهِ

[فَصَلِّ مَنْ تجب عَلَيْهِ الزَّكَاةُ]

ص (فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ)

ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ قَدْرِ الْمُخْرَجِ ذَكَرَ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِعَنْ عَائِدٌ إلَى الْمُخْرَجِ عَنْهُ الْمَفْهُومِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ " يَجِبُ " إذًا الْوُجُوبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ، وَلَوْ قَالَ " عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ " لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْضَحَ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ: هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُوسِرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مُعْسِرٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَاعٌ وَلَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ وَعَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ صَاعٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُجْحَفُ بِهِ فِي مَعَاشِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ صَاعٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَكَانَ إذَا أَخْرَجَهَا يَحْصُلُ لَهُ الْإِجْحَافُ فِي مَعَاشِهِ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا، حَكَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ رَابِعًا وَهُوَ وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ مَلَكَ قُوتَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَمْلِكَ الْمُخْرِجُ نِصَابًا وَنَحْوَهُ لِلَّخْمِيِّ، انْتَهَى. وَعَنْ اللَّخْمِيِّ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْغَنَاءِ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَعْتَبِرُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا خَارِجًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَأَثَاثِهِ، بَلْ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ دَارٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا أَوْ عَبْدٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَيْ لِخِدْمَتِهِ أَوْ كُتُبٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ لِأَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ، هَلْ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ عَبْدٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهُ أَوْ يُعْطَاهَا؟ ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ لَهُ عَبْدٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ: عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَرَآهُ مُوسِرًا بِالْعَبْدِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ وَرَأَى أَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، وَسَبِيلُ الْمُوَاسَاةِ أَنْ لَا يُكَلَّفُهَا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إعْطَائِهَا لِمَالِكِ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَسَلَّفَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُؤَدِّيهَا الْمُحْتَاجُ إنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَلْزَمْهُ - إنْ أَيْسَرَ بَعْدَ أَعْوَامٍ - قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ.

وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>