للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ، وَيُثَابُ وَلِيُّ الْأَمْرِ سَدَّدَهُ اللَّهُ وَوَفَّقَهُ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَيَنَالُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ الدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّةَ وَيُؤْجَرُ، وَكُلُّ مَنْ قَامَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْوَافِرُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، بَلْ وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ وَقَادِحٌ فِي إمَامَتِهِ فَلَمَّا أَجَابَ سَيِّدِي الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَذَا الْجَوَابِ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ اجْتَمَعَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَنَائِبُ جُدَّةَ وَمَلِكُ النَّجَّارِ وَأَئِمَّةُ فِي الْحَطِيمِ وَاتَّفَقَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّ يَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَإِذَا قَامَ الْحَنَفِيُّ لِرَكْعَتِهِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَرَعَ الشَّافِعِيَّةُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ، وَيُطِيلُ الشَّافِعِيُّ الْقِرَاءَةَ حَتَّى لَا يَرْكَعَ فِي الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْحَنَفِيِّ وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ أَمَرَ بَعْضُ نُوَّابِ جُدَّةَ أَئِمَّةَ الشَّافِعِيَّةِ أَلَّا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا يَشْرَعُوا فِي الْإِقَامَةِ حَتَّى يُسَلِّمَ الْحَنَفِيُّ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يُمْكِنْ مُخَالَفَتُهُ فَخَفَّتْ الْبِدْعَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتُمِرَّ عَلَى ذَلِكَ إلَى وَقْتِنَا هَذَا فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَجَمْعُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ كُلُّ جِهَةٍ بِإِمَامٍ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كُلُّ جِهَةٍ كَأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِاخْتِصَاصِ إمَامٍ بِهَا، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ لَا يُصَلِّي فِيهِ إلَّا إمَامٌ وَاحِدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا - حَفِظَهُ اللَّهُ - يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ غَيْرُ هَذَا فَقَدْ وَهِمَ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ الْمَنْعُ، وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ، وَهُوَ الَّذِي شَاهَدْت شَيْخَنَا يُفْتِي بِهِ انْتَهَى.

(قُلْت) وَالْعَجَبُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَجَدَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ أَهْلُهُ، فَإِنْ طَمِعَ فِي إدْرَاكِ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ خَرَجَ، فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَجْمَعُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلْيُصَلُّوا فِيهِ أَفْذَاذًا انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّهُمْ يَتَحَوَّلُونَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ وَيُصَلُّونَ جَمَاعَةً، وَلَا يُقَالُ: إنَّ جَمْعَهُمْ الْآنَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَتَقْرِيرِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمٍ إذْ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ لَا يُفِيدُ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إذْنَ الْإِمَامِ فِي الْمَكْرُوهِ أَوْ الْحَرَامِ لَا يُبِيحُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ.

[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ صَلَّى جَمَاعَتَانِ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ]

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَوْ صَلَّى جَمَاعَتَانِ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَسَاءُوا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الثَّانِي أَهْلُ السَّفِينَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَلَى طَائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ]

(الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ عَنْ الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي السَّفِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضُهُمْ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ فَيُقِيمُ الَّذِينَ بَقُوا فِي السَّفِينَةِ الصَّلَاةَ فَيُصَلُّونَ، ثُمَّ يَجِيءُ الَّذِينَ كَانُوا نَزَلُوا يَجْمَعُونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ فَقَالَ بِرَأْسِهِ لَا، فَرُوجِعَ فِيهَا فَقَالَ: إنَّمَا مِثَالُ الْجَمْعِ فِيهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ بِرَأْسِهِ لَا، قَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَفْتَرِقَ فِي طَائِفَتَيْنِ فَتُصَلِّي كُلُّ جَمَاعَةٍ مِنْهَا بِإِمَامٍ عَلَى حِدَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٠٧] أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ ذَلِكَ لِلْغُزَاةِ مَعَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشَرَعَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ السَّفِينَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَلَى طَائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ كُرِهَ لِلَّذِينَ نَزَلُوا إذَا جَاءُوا أَنْ يَجْمَعُوا الصَّلَاةَ لِأَنْفُسِهِمْ إذَا كَانَ الَّذِينَ بَقُوا قَدْ جَمَعُوا تِلْكَ الصَّلَاةَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ تَفَرُّقِ الْجَمَاعَةِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الَّذِينَ بَقُوا إنَّمَا جَمَعَ بِهِمْ إمَامٌ رَاتِبٌ لَهُمْ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الَّذِينَ فَوْقَ سَقْفِ السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ وَاَلَّذِينَ تَحْتَهُ بِإِمَامٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ.

[الثَّالِث يُصَلُّونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِإِمَامَيْنِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ]

(الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي سُؤَالِ قَصْرِ الْمَسِيرِ وَجَوَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَهْلِهِ فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: وَأَمَّا الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي وَقْتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>