للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ قُلْت: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي سِوَى الْغَلَّةِ خَاصَّةً فَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ بِالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي هَلْ انْتَفَعَ بِالْجِلْدِ وَاغْتَلَّهُ أَمْ لَا؟ ، وَإِنْ كَانَ انْتَفَعَ بِهِ فَمَا مِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ فَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ لِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الفرع الثَّانِي بَيْعِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ الْوَحْشِيِّ]

(الثَّانِي) : قَالَ فِي رَسْمِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ الْوَحْشِيِّ، وَهُوَ كَصُوفِ الْمَيْتَةِ كَذَلِكَ رَوَاهَا أَبُو زَيْدٍ عَنْ أَصْبَغَ هَذَا خَطَأٌ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَصُوفِ الْمَيْتَةِ، وَلَا حَقَّ لِبَائِعِهِ، وَهَلْ مِثْلُ الْمَيْتَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ أَشَدُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ حَرَامٌ حَيٌّ، وَمَيِّتٌ، وَصُوفُ الْمَيْتَةِ إنَّمَا حَلَّ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ مِنْهَا، وَهِيَ حَيَّةٌ، وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ لَيْسَ بِحَلَالٍ حَيًّا، وَلَا مَيِّتًا، وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُؤْكَلُ ثَمَنُهُ.

وَلَا تَجُوزُ التِّجَارَةُ فِيهِ، وَالْكَلْبُ أَحَلُّ مِنْهُ، وَأَطْهُرُ، وَثَمَنُهُ لَا يَحِلُّ قَدْ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَهَى عَنْ ثَمَنِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الشَّعْرَ لَا تُحِلُّهُ الرُّوحُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَبَنِي آدَمَ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ وَالْقُرُودِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لُحُومُهَا أَوْ مِمَّا يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِهِ كَالسِّبَاعِ، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ شَعْرُ الْخِنْزِيرِ طَاهِرُ الذَّاتِ أُخِذَ مِنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا تَحِلُّ الصَّلَاةُ بِهِ وَبَيْعُهُ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَيْسَ بِبَيِّنٍ، وَقِيَاسُهُ فَاسِدٌ، وَقَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَخْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إذْ يَحْرُمُ ثَمَنُهُ لِنَجَاسَتِهِ إذْ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي جُبٍّ، وَخَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ ذَلِكَ الْمَاءُ بِإِجْمَاعٍ وَقَدْ حَرَّمَ الشَّرْعُ أَثْمَانَ كَثِيرٍ مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالْحُرِّ، وَلَحْمِ النُّسُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجَازَ بَيْعُ صُوفِهَا كَشَعْرِ خِنْزِيرٍ خِلَافًا لِأَصْبَغَ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الفرع الثَّالِث بَيْعُ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ]

(الثَّالِثُ) : تَقَدَّمَ أَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ كَافِ التَّشْبِيهِ الْمُقَدَّرَةِ فِي قَوْلِهِ، وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ كُلُّ زَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مَا يُفْعَلُ فِيهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ مَا كَانَتْ نَجَاسَتُهُ عَارِضَةٌ وَيُمْكِنُ زَوَالُهَا، وَأَنَّ النَّجَاسَةَ الْعَارِضَةَ لَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ تَمْثِيلِ الْمُؤَلِّفِ لِلنَّجِسِ الْمَمْنُوعِ بِالزِّبْلِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ خَرَجَ بِهِ نَحْوُ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ مِمَّا نَجَاسَتُهُ عَارِضَةٌ وَزَوَالُهَا مُمْكِنٌ، وَيَجِبُ تَبْيِينُهُ إذَا كَانَ الْغَسْلُ يُفْسِدُهُ اهـ. وَذَكَرَ أَبُو عِمْرَانَ الزَّنَانِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ لَهُ أَنَّ مِنْ عُيُوبِ الثَّوْبِ كَوْنَهُ نَجِسًا، وَهُوَ جَدِيدٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الرَّدَّ اهـ. وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَدِيدًا قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَبِيسًا يَنْقُصُ بِالْغَسْلِ كَالْعِمَامَةِ وَالثَّوْبِ الرَّفِيعِ، وَالْخُفِّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ عَيْبًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ بِثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَا يُصَلِّي بِلِبَاسِ كَافِرٍ قُلْت: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّبْيِينِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا خَشْيَةَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُشْتَرِيهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ بَائِعُهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ.

[الفرع الرَّابِع بَيْعِ قَاعَةِ الْمِرْحَاضِ]

(الرَّابِعُ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْغَرَرِ: سُئِلَ الصَّائِغُ عَنْ بَيْعِ قَاعَةِ الْمِرْحَاضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَا يُجْتَمَعُ فِيهِ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَهَلْ يَطِيبُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ فَأَجَابَ الْبَيْعُ فِي الْبَيْتِ لَا يُرَدُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا هُوَ الْقَاعَةُ وَلَوَاحِقُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَالِ الْعَبْدِ، وَحِلْيَةِ السَّيْفِ الَّتِي النَّصْلُ تَبَعٌ لَهَا، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا تَابِعَةً لِأَصْلِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ شَيْخِنَا فِي بَيْعِ الْفَدَّانِ الَّذِي لَهُ مَسَاقٍ، وَلَوْلَا هِيَ لَمَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهَا انْتَهَى.

قُلْت: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَيَمْضِي عَلَى مَا قَالَ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>