الْمَرِيضِ الْمُبَتَّلَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: صَدَقَةُ الْمُبَتَّلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ إذْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ سَحْنُونٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ قَبْلَ وَصِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا تَوَقَّفَ فِي تَبْدِئَةِ صَدَقَةِ الْمُبَتَّلِ عَلَى الْوَصَايَا وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّة: وَتَبْدَأُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَمَّا عَلَى الْعِتْقِ بِعَيْنِهِ فَيَبْدَأُ الْعِتْقُ، ابْنُ زَرْقُونٍ الَّذِي فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْوَصَايَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُحَاصُّ بِهَا مَعَ صَدَقَةِ الْمَرِيضِ، وَفِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّة الصَّدَقَةُ مُبَدَّأَةٌ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السُّؤَالَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَطِيَّةِ، فَقَالَ: إنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ وَلَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْت لِابْنِ دَحُونٍ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ قِيلَ إنَّ الصَّدَقَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ قَدْ يُتَصَدَّقُ عَلَى الْغَنِيِّ وَيُعْطَى لِلْفَقِيرِ، وَيَلْزَمُ أَنْ تَبْدَأَ الْوَصِيَّةُ لِلْفَقِيرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْغَنِيِّ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف الْمَعْلُومُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُبَتَّلَةِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ هَلْ يَتَحَاصَّانِ أَوْ تَبْدَأُ الصَّدَقَةُ الْمُبَتَّلَةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إنْ صَحَّ لَزِمَتْهُ فَرَوَى الْحَارِثُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِالصَّدَقَةِ فِي مَرَضِهِ وَيُوصِي لِنَاسٍ بِوَصَايَا ثُمَّ يَمُوتُ فَيُرِيدُ أَهْلُ الْوَصَايَا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي صَدَقَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَمِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُبَتَّلَةَ، وَمِثْلُهَا الْعَطِيَّةُ الْمُبَتَّلَةُ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَصَايَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَهَلْ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَبْدِئَةَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَلْ تَحْتَاجُ الْعَطِيَّةُ فِي الْمَرَضِ إلَى حَوْزٍ فَفِي الْمُنْتَقَى عَدَمُ احْتِيَاجِهَا اُنْظُرْهُ فِيهِ بَعْدُ يُشِيرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْوَصَايَا فِي تَرْجَمَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ إيَّاهُمْ وَثُلُثَ مَالِي قَالَ لَا فَضْلَ إنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ أَنَا أَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِي عَلَى بَتْلِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَرَضِ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبْتَلَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ثُلُثَهُ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَمِيعُهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِلَّا رُدَّ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَشَذَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَقَالُوا: يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ إذَا قَبَضَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْحَوْزُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَلْحَقَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ الْمُوصَى لَهُ بِكِتَابَتِهِ إذَا عَجَّلَ الْكِتَابَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَ حَبْسَهُ وَقَدْ أَوْصَى بِوَصَايَا مَالٍ فَلَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ ثُلُثُهُ]
(فَرْعٌ) جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ الْمُوصَى بِتَحْبِيسِهِ مَعَ الْمُوصَى بِالثُّلُثِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَانْظُرْ الْحَبْسَ الْمُبَتَّلَ فِي الْمَرَضِ هَلْ يَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا بِمَالٍ؟ فَإِنَّ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ: مَنْ حَبَسَ فِي مَرَضِهِ دَارًا لَهُ وَجَعَلَهَا بَعْدَ حَبْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، أَذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَهُ.
وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: إنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ فِي مَرَضِهِ يُرِيدُ فَيَنْفُذُ تَغْيِيرُهُ، وَيَبْطُلُ الْحَبْسُ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، وَأَمَّا إنْ صَحَّ فَيَلْزَمُهُ الْحَبْسُ، وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ، وَغَيَّرَهُ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ لَا يَنْفُذُ مَنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَ حَبْسَهُ، وَقَدْ أَوْصَى بِوَصَايَا مَالٍ فَلَمْ يَحْمِلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute