للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا خَرَّجَهُ لَهُ فِي الْعَذِرَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِمَالِكٍ، وَالْمَنْعُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهِيَ الْأَقْوَالُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ هُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ النَّجَاسَاتِ، وَالْقَوْلَ بِالْجَوَازِ لِمُرَاعَاةِ الضَّرُورَةِ، وَمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، وَرَأَى أَنَّ أَخْذَ الثَّمَنِ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ رَأَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا هِيَ الِاضْطِرَارُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهَا بِوُجُودِ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ بَيْعُ خَثَاءِ الْبَقَر وَبَعْرِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ]

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ خَثَاءِ الْبَقَرِ، وَبَعْرِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يُخَالِفُ فِيهِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجَازَ بَيْعُ إبِلٍ، وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَنَحْوِهَا انْتَهَى.

وَقَالَ عِيَاضٌ: صَوَابُهُ خِثْيُ الْبَقَرِ، وَالْجَمْعُ أَخْثَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَآخِرُهُ يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ قَالَ: وَالْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ تَقُول خَثَى الْبَقَرُ يَخْثُو خَثْيًا، وَأَمَّا عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَقُرُونُهَا، وَأَظْلَافُهَا فَفِي طَهَارَةِ ذَلِكَ، وَنَجَاسَتِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمَشْهُورُ النَّجَاسَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي أَنْيَابِ الْفِيلِ فَيُمْنَع الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا، وَعِظَامُ الْمَيْتَةِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي نَابِ الْفِيلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَلَا يُبَاعُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَتْ الْعِظَامُ أَوْ أَنْيَابُ الْفِيلِ صُلِقَتْ فَلَا يُفْسَخُ إنْ فَاتَ، وَإِنْ لَمْ تُصْلَقْ فَيُفْسَخُ، وَلَوْ فَاتَ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ إنَّهَا تَطْهُرُ بِالصَّلْقِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ الْحُكْمُ وَاحِدًا قَبْلَ الصَّلْقِ وَبَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ جُلُودُ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَإِنْ دُبِغَتْ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ لِابْنِ وَهْبٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ الدَّبْغِ بِشَرْطِ الْبَيَانِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ الدَّبْغِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَنَقَلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى ابْنُ حَارِثٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا الثَّانِيَةُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، وَالِانْتِفَاعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ الْجَوَازُ فِيهِمَا لِابْنِ وَهْبٍ مَعَ قِيَامِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي صَابُونٍ طُبِخَ بِزَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ الثَّانِي الْمَنْعُ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ لَا الْبَيْعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَيْتَةٍ، وَلَا جِلْدِهَا، وَإِنْ دُبِغَ، وَلَا يُؤَاجَرُ بِهَا عَلَى طَرْحِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَيْعٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَرَى أَنْ تُشْتَرَى عِظَامُ الْمَيْتَةِ، وَلَا تُبَاعَ، وَلَا أَنْيَابُ الْفِيلِ، وَلَا يُتَّجَرُ بِهَا، وَلَا يُمْتَشَطُ، وَلَا يُدَّهَنُ بِمَدَاهِنِهَا اهـ. وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَجَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا فَمَحِلُّهُ كِتَابُ الطَّهَارَةِ.

[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ]

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ دُبِغَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: لَوْ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ تَابَ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ لَا الْغَنَمِ عِيسَى إنْ وَجَدَ بَائِعَهُ أَوْ وَارِثَهُ رَدَّ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقُّهُ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ، وَالثَّمَنِ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانٌ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ، وَرِوَايَتِهِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ، وَإِغْرَامُ مُسْتَهْلِكِهَا قِيمَتَهَا صَدَقَةً بِفَضْلِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى مَتَاعِهَا بِقِيمَةِ الِانْتِفَاعِ يُقَاصُّهُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ لَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ وَقَوْلُ عِيسَى يُرَدُّ الثَّمَنُ الصَّوَابُ فَضْلُهُ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا مَا لَزِمَ الْبَائِعَ (قُلْت) : لَعَلَّ قَوْلَهُ يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ انْتِفَاعِ الْمُبْتَاعِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي ابْتِدَالِ رُءُوسِ الضَّحَايَا اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ أَمْكَنَنِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَقَوْلُ عِيسَى لَيْسَ بِخِلَافٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ تَبْيِينٌ لَهُ كَذَا بَيَّنَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ غَيْرُ مَعْزُوٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>