للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْحِ وَالْمَعْنَى يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْجَلَّابِ وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلِهِمَا، فَإِنْ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا دُونَ أَسْفَلِهِمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِمَا دُونَ أَعْلَاهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إيجَابًا، انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (لَا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ)

ش: أَيْ: فَيُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ أَبَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَهَلْ يُعِيدُ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَوْ أَسْفَلَ الْخُفِّ فَقَطْ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَرَأَى أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ جَاهِلًا حَتَّى طَالَ كَانَ فِيهِ خَرْمُ الْمُوَالَاةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَمْسَحُ أَسْفَلَهُ فَقَطْ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ وَسَيَذْكُرُهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ

[فَصَلِّ فِي التَّيَمُّم]

ص (فَصْلٌ يَتَيَمَّمُ)

ش: لَمَّا ذَكَرَ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ بِقِسْمَيْهَا وَمَا يَنُوبُ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ذَكَرَ مَا يَنُوبُ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ أَعْنِي كَوْنَهُ نَائِبًا عَنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كَوْنِهِ أَصْلًا، أَوْ نَائِبًا عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ خِلَافٌ، وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] أَيْ: تَقْصِدُونَهُ وَشَرْعًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَزَادَ الْمُنَاوِيُّ بَعْدَ قَوْلِنَا: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ " ضَرُورِيَّةً "، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمَا: تُرَابِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْجِيرِ وَغَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِمَا كَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ " ضَرُورِيَّةٌ "؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ عَلَى الْجِيرِ يُرِيدُ قَبْلَ طَبْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُمَا تُرَابِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التُّرَابُ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: طَهَارَةُ تُرَابِهِ تُفْعَلُ مَعَ الِاضْطِرَارِ دُونَ الِاخْتِيَارِ.

وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] . الْآيَةَ وَأَحَادِيثُ يَأْتِي بَعْضُهَا، وَمِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ: «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا.» وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِهَا وَإِحْسَانًا وَلِيَجْمَعَ لَهَا بَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ إيجَادِهَا وَالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهَا إشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَقِيلَ فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ: إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - لَمَّا عَلِمَ مِنْ النَّفْسِ الْكَسَلَ وَالْمَيْلَ إلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ شَرَعَ لَهَا التَّيَمُّمَ عِنْدِ عَدَمِ الْمَاءِ لِئَلَّا تَعْتَادَ بِتَرْكِ الْعِبَادَةِ فَيَصْعُبُ عَلَيْهَا مُعَاوَدَتُهَا عِنْدَ وُجُودِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَشْعِرُ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَوْتَهُ وَبِالتُّرَابِ إقْبَارَهُ فَيَزُولُ عَنْهُ الْكَسَلُ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَلَا أَعْرِفُهَا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَبَايِنَةٌ بَلْ كُلٌّ عَبَّرَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ لَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِإِجْمَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ لِلْمُسَافِرِ عَزِيمَةٌ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: التَّيَمُّمُ يَجِبُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ جَمَاعَةَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ قَالَ التَّادَلِيُّ وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ عَزِيمَةٌ فِي حَقِّ الْعَادِمِ لِلْمَاءِ رُخْصَةٌ فِي حَقِّ الْوَاجِدِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ. وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْوَاجِدِ إذْ قَدْ يَتَكَلَّفُ وَيَسْتَعْمِلُهُ وَمَعَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ وَاجِبًا. وَالْقَوْلُ بِالرُّخْصَةِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَادِمِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ تَقْتَضِي إمْكَانَ الْفِعْلِ الْمُرَخَّصِ فِيهِ وَتَرْكَهُ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَالْعَادِمُ لِلْمَاءِ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى تَرْكِ التَّيَمُّمِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهَا إذَا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَتْ عَزِيمَةً وَزَالَ عَنْهَا اسْمُ الرُّخْصَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>