للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمَصَاحِفِ لِلتَّعْلِيمِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَائِزًا، انْتَهَى مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُخْتَلِفِينَ إلَى مَكَّةَ بِالْفَوَاكِهِ وَالطَّعَامِ يَقُومُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخِطَابَيْنِ هَذِهِ أَنَّ مَنْ كَثُرَ تَرْدَادُهُ إلَى الْمَسْجِدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحِيَّةُ وَمِثْلُهُ مَنْ خَرَجَ إلَى السُّوقِ لَا يَلْزَمُهُ السَّلَامُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَ وَمِثْلُهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ لِلْمُتَعَلِّمِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَالنَّاسِخِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ لِلنَّاسِخِ أَنْ يَكْتُبَ الْمُصْحَفَ مُحْدِثًا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَّا مُتَطَهِّرًا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ مُلَازَمَةِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَبْعُدُ جَرْيُهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُعَلَّمِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا هَلْ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى.

[فَصْلٌ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ]

ص (فَصْلٌ يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِمَنِيٍّ)

ش: لَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ (الْغُسْلُ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَاءِ، وَأَمَّا الْغِسْلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ مِنْ أُشْنَانٍ وَسِدْرٍ وَنَحْوِهِمَا وَالْأُشْنَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَلَيْسَتَا وَاجِبَتَيْنِ وَإِنَّمَا هُمَا سُنَّتَانِ، وَكَذَلِكَ مَسْحُ دَاخِلِ الْأُذُنِ وَهُوَ الصِّمَاخُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ وَهُوَ تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: ظَاهِرِ الْجَسَدِ، الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا أَصْحَابُنَا فِي بَابِ الْغُسْلِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: لَا سِيَّمَا إنْ كَثُرَتْ تَكَامِيشُهُ أَوْ ارْتَفَعَتْ دَائِرَتُهُ لِسِمَنٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ إنْ شَقَّ جِدًّا وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ سَقَطَ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَتَحْتَ جَنَاحَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: أَيْ مَا سَتَرَهُ الذَّقَنُ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ وَجَنَاحَيْهِ أَيْ إبْطَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالسُّرَّةِ فِي الْخَفَاءِ وَاجْتِمَاعِ الْعَضَلَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي وُضُوئِهِ: إنْ قَدَّمَهُ وَإِلَّا فَفِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: نَدْبًا كَمَا فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: كَمَا يَفْعَلُ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ فَيَعْرُكُ عَقِبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَمَا لَا يَكَادُ يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ مِنْ جَسَاوَةٍ أَوْ شُقُوقٍ وَفِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا مَا فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَشْهُورُ النَّدْبُ، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي بَابِ حُكْمِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ.

فَرْعٌ إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ فَهَلْ يَجِبُ مِثْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: مَا عَلِمْت ذَلِكَ وَلَا فِي الْجَنَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِيمَنْ تَرَكَ تَدْلِيكَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْجَنَابَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ فَرْضَ الْغَسْلِ فِي هَذَا الْعُضْوِ فِي الْجَنَابَةِ مُجَانِسٌ لِغَسْلِ الْوُضُوءِ وَكِلَاهُمَا تَعَبَّدْنَا فِيهِمَا بِتَحْصِيلِ اسْمِ الْغَسْلِ فَمَا وَجَبَ فِي مَحِلِّ الْغَسْلِ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ فِي الْآخَرِ، انْتَهَى.

ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي حَصْرِ أَسْبَابِهِ: فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ هُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِسَبَبِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَقَوْلُهُ: بِمَنِيٍّ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ وَحَذْفِ صِفَةِ الْمَوْصُوفِ أَيْ بِسَبَبِ خُرُوجِ مَنِيٍّ كَائِنٍ لِلَّذَّةِ الْمُعْتَادَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَحْذُوفَةِ قَوْلُهُ: لَا بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ.

ص (وَإِنْ بِنَوْمٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لِلَّذَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>