للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ عُثْمَانُ كَافِرًا، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، وَأَجْنَادِينُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهَا، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَسْلَمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَدَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «وَقَالَ: خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» وَنَزَلَ عُثْمَانُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ مَكَّةَ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: قُتِلَ يَوْم أَجْنَادِينَ وَقُتِلَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَمُّهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرَيْنِ، وَذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِ الْوَاحِدِيِّ أَنَّهُ جَاءَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: مَا دَامَ هَذَا الْبَيْتُ، فَإِنَّ الْمِفْتَاحَ وَالسِّدَانَةَ فِي أَوْلَادِ عُثْمَانَ، زَادَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: وَهُوَ الْيَوْمَ فِي أَيْدِيهمْ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَقَوْلُهُ: خَالِدَةً تَالِدَةً، لَعَلَّهُ مِنْ التَّالِدِ، وَهُوَ الْمَالُ الْقَدِيمُ، أَيْ أَنَّهَا لَكُمْ مِنْ أَوَّلُ وَمِنْ آخِرُ، أَوْ يَكُونُ أَتْبَاعًا لِخَالِدَةٍ بِمَعْنَاهَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُمْ، قَالُوا: وَهِيَ وِلَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قُلْتُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ، وَلَازَمُوا فِي خِدْمَتِهِ الْأَدَبَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَحْفَظُوا حُرْمَتَهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِمْ مُشْرِفٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ، وَرُبَّمَا تَعَلَّقَ الْعِنِّينُ الرَّأْيَ الْمَعْكُوسُ الْفَهْمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُوا بِالْمَعْرُوفِ فَاسْتَبَاحَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى دُخُولِ الْبَيْتِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبِدَعِ وَأَقْبَحِ الْفَوَاحِشِ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إنْ صَحَّتْ فَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى إقَامَةِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا الْإِشَارَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى مَا يَقْصِدُونَ بِهِ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ، فَلَهُمْ أَخْذُهُ، وَذَلِكَ أَكْلٌ بِالْمَعْرُوفِ لَا مَحَالَةَ، أَوْ إلَى مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا يَتَوَلَّوْنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، انْتَهَى.

وَنَقَلَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ بِأَخْبَارِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْهُ كَلَامَ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ مُخْتَصَرًا.

(قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ فِي الْبَيْتِ الشَّرِيفِ مَا شَاءُوا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ نَزْعُ الْمِفْتَاحِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ الْبَيْتِ أَوْ قِلَّةُ أَدَبٍ، فَهَذَا وَاجِبٌ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فَتْحِ الْبَيْتِ ظَاهِرٌ أَيْضًا لَا شَكَّ فِيهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ الْإِنْسَانُ بِمَنْفَعَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْبَيْتُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ دُونَ أَحَدٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى فَتْحِهِ، وَإِنَّمَا لَهُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى فَتْحِهِ وَإِغْلَاقِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِفَتْحِهِ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إغْلَاقُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ دَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ فَتْحِ الْمَقَامِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَلَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ عَلَى كَلَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ عَادَةُ الشَّيْبِيِّينَ تَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ فِي كَوْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ عِنْدَهُ]

(مَسْأَلَةٌ) جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْبِيِّينَ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِتَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ مِنْهُمْ فَالْأَكْبَرِ فِي السِّنِّ فِي كَوْنِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ مَعَ وُجُودِ ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ وَلِيَ شَيْبَةُ الْمِفْتَاحَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَأْنَ وُلَاةِ الْبَيْتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: فَوُلِّيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ خَلِيلَ بْنَ حُبَشْيَةَ الْخُزَاعِيَّ وَالدَّحْبِيَّ زَوْجَةَ قُصَيٍّ الَّذِي وَرِثَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمَرْوِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>