الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (فَإِنْ عَجَزَ عَوَّضَ الْأَدْنَى)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَإِنْ قَصُرَ الثَّمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْيِ وَالْجِهَادِ عَنْ شِرَاءِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يُعَوِّضُ الْأَدْنَى ابْنُ هَارُونَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا الْتَزَمَ إخْرَاجَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا يَصْلُحُ بِعَيْنِهِ لِلْجِهَادِ أَوْ حَلَفَ بِهِ كَالْهَدْيِ فِي إخْرَاجِ عَيْنِهِ أَوْ ثَمَنِهِ إنَّ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ لِمَحَلِّهِ، إلَّا إنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ إلَّا مِثْلَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فِيهِ التُّونُسِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِثْلَهُ اشْتَرَى بِهِ أَقْرَبَ غَيْرِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْهُ فَكَمَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا كَعَبْدِهِ يَبِيعُهُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مَنْ يَغْزُو بِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا بَعَثَ بِهِ إلَيْهِ، انْتَهَى.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ عَجَزَ يَعْنِي، فَإِنْ عَجَزَ ثَمَنُ مَا نَذَرَ أَنَّهُ هَدْيٌ وَلَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ، وَلَا ثَمَنُ مَا نَذَرَ فِي السَّبِيلِ مِمَّا لَمْ يَصِلْ أَيْضًا أَوْ ثَمَنُ مَا لَا يُهْدَى عَنْ أَعْلَى الْهَدْيِ عَوَّضَ الْأَدْنَى، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْ أَدْنَى الْهَدْيِ وَهُوَ شَاةٌ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ
ص (ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عَجَزَ ثَمَنُ مَا لَا يُهْدَى عَنْ قِيمَةِ أَدْنَى الْهَدْيِ، وَهُوَ الشَّاةُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ أَوْ فَضُلَ مِنْهُ مَا لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ يَبْعَثُهُ إلَى خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ قَوْلَ مَالِكٍ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى، وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ، وَيَأْتِيهَا مِنْ الطَّيِّبِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَمَكَانِسُهَا خُوصٌ لَا تُسَاوِي إلَّا مَا لَا بَالَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَأْكُلَهُ الْحَجَبَةُ، وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يُزِيلُ هَذَا الْإِشْكَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ الْكَعْبَةُ إلَيْهِ تَصَدَّقَ بِهِ، وَسَاقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ، وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنْ احْتَاجَتْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ.
، ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَأَعْظَمَ مَالِكٌ إلَخْ إلَى مَسْأَلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ النُّذُورِ، وَلَكِنْ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ
(وَلَمَّا تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ نَبْسُطَ الْقَوْلَ فِيهَا وَنَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْأَحْكَامِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ غَيْرُ هَذَا) فَأَقُولُ: الْخَزَنَةُ جَمْعُ خَازِنٍ، وَخَزَنَةُ الْكَعْبَةِ هُمْ بَنُو شَيْبَةَ يُقَالُ لَهُمْ: خَزَنَةٌ وَسَدَنَةٌ وَحَجَبَةٌ، مَنْصِبُهُمْ يُقَالُ لَهُ: حِجَابَةٌ وَسِدَانَةٌ وَخِزَانَةٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ الْقُرْبَى: الْحِجَابَةُ مَنْصِبُ بَنِي شَيْبَةَ وَلَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا كَمَا وَلَّى السِّقَايَةَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا إنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ» وَالْمَأْثُرَةُ: الْمَكْرُمَةُ وَالْمَفْخَرَةُ الَّتِي تُؤْثَرُ عَنْهُمْ أَيْ تُرْوَى عَنْهُمْ وَتُذْكَرُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إسْقَاطُهَا وَحَطُّهَا إلَّا هَاتَيْنِ الْمَأْثُرَتَيْنِ، وَسِدَانَةُ الْبَيْتِ خِدْمَتُهُ وَتَوَلِّي أَمْرِهِ وَفَتْحُ بَابِهِ وَإِغْلَاقُهُ، يُقَالُ: سَدَنَ يَسْدُنُ فَهُوَ سَادِنٌ وَالْجَمْعُ سَدَنَةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ: ائْتِ بِالْمِفْتَاحِ.
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيَّ، وَقَالَ: خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ عُثْمَانُ يَلِي الْبَيْتَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ فَبَقِيَتْ الْحِجَابَةُ فِي بَنِي شَيْبَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ يَوْمَ الْفَتْحِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِلَى ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَقَالَ: خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ قَالَ، ثُمَّ نَزَلَ عُثْمَانُ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَكَّةَ فَسَكَنَهَا حَتَّى مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ أَنَّ أَخْذَ الْمِفْتَاحِ مِنْ عُثْمَانَ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَنُزُولَ الْآيَةِ بِالْأَمْرِ بِرَدِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute