للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَامَّةُ فَلِعُمُومِ مَنْفَعَتِهِ كَأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهُمْ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ وَإِلَّا فَالتَّشْبِيهُ مُشْكِلٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا كَانَ قَتْلُ جَمِيعِ النَّاسِ لَا يَزِيدُ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى عُقُوبَةِ قَاتِلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ شَبَّهَهُ بِهِ. قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ تَفَاوُتُ الْعُقُوبَاتِ بِتَفَاوُتِ الْجِنَايَاتِ وَلِذَا تَوَعَّدَ اللَّهُ قَاتِلَ الْوَاحِدِ بِعَذَابٍ عَظِيمٍ وَعِيدُهُ، اعْتَقَدْنَا مُضَاعَفَتَهُ فِي حَقِّ الِاثْنَيْنِ فَكَيْفَ بِجَمِيعِ النَّاسِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (الثَّانِيَةُ) قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] قِيلَ الْخِطَابُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اقْتَصُّوا فَقَدْ سَلِمُوا وَحَيُوا بِدَفْعِ شَرِّ هَذَا الْقَاتِلِ عَنْهُمْ الَّذِي صَارَ عَدُوَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِطَابُ لِلْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُ إذَا اُقْتُصَّ مِنْهُمْ فَقَدْ مُحِيَ إثْمُهُ فَحَيِيَ حَيَاةً مَعْنَوِيَّةً. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا إضْمَارَ وَقِيلَ الْخِطَابُ لِلنَّاسِ. وَالتَّقْدِيرُ وَلَكُمْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ يَكُفُّ عَنْ الْقَتْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْآيَةِ تَقْدِيرٌ أَيْضًا وَيَكُونَ الْقِصَاصُ نَفْسُهُ فِيهِ الْحَيَاةُ. أَمَّا لِغَيْرِ الْجَانِي فَلِانْكِفَافِهِ وَأَمَّا لِلْجَانِي فَلِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِثْمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

[أَرْكَان الْقِصَاص فِي الْقَتْل]

وَالْقِصَاصُ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْأَطْرَافِ.

وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَالْقَتْلُ فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَالَ: إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ إلَخْ. وَإِنَّمَا قَالَ أَتْلَفَ وَلَمْ يَقُلْ قَتَلَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ وَالتَّسَبُّبَ وَالْقَتْلُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ لِلْمُبَاشَرَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَعَمْدُهُمَا كَالْخَطَإِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ذَكَرْتهَا فِي حَاشِيَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ.

(تَنْبِيهٌ) الْمَرْفُوعُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الْإِثْمُ وَهُوَ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا الضَّمَانُ فَهُوَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ.

وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ هِيَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ. وَشَرْطٌ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ بِكَثِيرِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا كَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَيَضْمَنُ النَّائِمُ مَا أَتْلَفَهُ فِي حَالِ نَوْمِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فِي مَالِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الدِّمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعَارِضٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قَتَلَ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُسْلَمُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ يَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ لَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يَصِحَّ لِأَنِّي أَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا أَقُولُ هَذَا فِي حُقُوقِ النَّاسِ.

وَرَدَّ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا هَذَا الْمَجْنُونَ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا أَتْبَعُوهُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ فَهَلْ يُسْلَمُ لِلْقَتْلِ أَوْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ؟ قَوْلَانِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ انْتَهَى فَسَاوَوْا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الثَّانِي لِابْنِ الْمَوَّازِ (فَرْعٌ) فَلَوْ أُشْكِلَ عَلَى الْبَيِّنَةِ أَقَتَلَ فِي حَالِ عَقْلِهِ أَوْ جُنُونِهِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ شَكٌّ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَشْهَدَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَتَلَ فِي حَالِ كَوْنِهِ فِي عَقْلِهِ. انْتَهَى. وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ السَّكْرَانُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَالرَّقِيقُ وَلِهَذَا بَالَغَ بِهِ فَقَالَ وَإِنْ رَقَّ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ غَيْرُ حَرْبِيٍّ يَعْنِي أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا قَتَلَ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>