الْحُرْمَةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْخِلَافِ فِيهِ لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ كَمَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا، ثُمَّ أَوْدَعَهُ، فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُودَعِ، فَلَيْسَ لِرَبِّهِ تَضْمِينُ الْمُودَعِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى انْتَهَى.
[تَنْبِيهٌ أَرْكَان الْوَدِيعَة]
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي اللُّبَابِ: أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ الصِّيغَةُ وَالْمُودِعُ وَالْمُودَعُ أَمَّا الصِّيغَةُ، فَهِيَ لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي حِفْظِ الْمَالِ انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْتَقِرُ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَالْوَكَالَةِ وَأَصْلُنَا يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ فِيهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ انْتَهَى. قَوْلُهُ فِيهِمَا أَيْ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَنَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ جَالِسًا، فَجَاءَ إنْسَانٌ، فَوَضَعَ أَمَامَهُ مَتَاعًا، ثُمَّ ذَهَبَ فَقَامَ الْجَالِسُ وَتَرَكَهُ، فَذَهَبَ الْمَتَاعُ فَالظَّاهِرُ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ حِينَ وُضِعَ الْمَتَاعُ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ لِلْوَدِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُودِعُ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ وِلَايَةٍ كَالْقَاضِي فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُودَعُ مَنْ يُظَنُّ حِفْظُهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ شَرْطَهَا بِاعْتِبَارِ جَوَازِ فِعْلِهَا وَقَبُولِهَا حَاجَةَ الْفَاعِلِ، وَظَنِّ صَوْنِهَا مِنْ الْقَابِلِ، فَتَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ الْخَائِفِ عَلَيْهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُودِعَا مَا خِيفَ تَلَفُهُ بِيَدِ مُودِعِهِ إنْ ظَنَّ صَوْنَهُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لِاحْتِرَامِهِمَا وَثِقَتِهِمَا كَأَوْلَادِ الْمُحْتَرَمِينَ وَعَبِيدِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ بَعْضِ الظَّلَمَةِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ وَلِقَاءِ الْأَعْرَابِ الْقَوَافِلَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ الرَّأْفَةُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ وَالنَّهْيُ عَنْ إضَاعَتِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ انْتَهَى.
ص (إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ وَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ)
ش: قَوْلُهُ كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ شَامِلٌ لِحِفْظِ كُلِّ جِنْسٍ بِجِنْسِهِ الْمُمَاثِلِ لَهُ حَتَّى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِمِثْلِهَا، وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمُسْتثْنتَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ بِخَلْطِ الْوَدِيعَةِ وَالثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَهِيَ إذَا خَلَطَ الْجِنْسَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ مَيْزُهُ بِسُهُولَةٍ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ فِي الْوَدِيعَةِ خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُمَاثِلٍ لَهُ كَخَلْطِ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ وَشِبْهِهِ فَأَمَّا خَلْطُهَا بِجِنْسِهَا الْمُمَاثِلِ لَهَا جُودَةً وَرَدَاءَةً كَحِنْطَةٍ بِمِثْلِهَا أَوْ ذَهَبٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَلَا يَخْتَلِطُ بِهِ كَذَهَبٍ بِوَرِقٍ فَلَا يَضْمَنُ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَوْدَعْتَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ ضَاعَ بَعْضُهُ كَانَ مَا ضَاعَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَكُمَا؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَكَ لَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِهِ وَلَوْ عُرِفَتْ بِعَيْنِهَا كَانَتْ مُصِيبَةُ دَرَاهِمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَلَا يُغَيِّرُهَا الْخَلْطُ وَإِنْ أَوْدَعْتَهُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا عَلَى الْإِحْرَازِ وَالدَّفْعِ، فَهَلَكَ الْجَمِيعُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إنْ خَلَطَ حِنْطَتَكَ بِشَعِيرٍ، ثُمَّ ضَاعَ الْجَمِيعُ، فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَاتَهَا بِالْخَلْطِ قَبْلَ هَلَاكِهَا انْتَهَى.
ص (لِلْإِحْرَازِ)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيهَا أَصْلًا انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: وَهُوَ خَاصٌّ أَيْضًا بِبَعْضِ أَفْرَادِ الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَمُشَابِهَاتُهَا، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْإِحْرَازُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَخَلَطَهَا يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ وَالدَّفْعِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَهُ انْتَهَى.
وَيُعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَهُ أَنَّ أَبَا عِمْرَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّعَامِ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ كَذَلِكَ فَعَلَ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَنَصُّهُ: قَوْلُهُ فِي خَلْطِ الْحِنْطَةِ إذَا خَلَطَهَا عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ لِلْإِحْرَازِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) : إنْ خَلَطَهُ بِمَا يُخْلَطُ إنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا كَانَ لِهَذَا وَشِبْهِهِ مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ جَمْعَهَا أَحْرَزُ لَهَا مِنْ تَفْرِيقِهَا وَأَرْفَقُ بِهَا مِنْ شُغْلِ مَخْزَنَيْنِ بِذَلِكَ وَكِرَائِهِمَا وَحِفْظِهِمَا، وَهُوَ الْمُرَادُ