فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَفْظُ الدَّيْنِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا عُرْفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ قَالَ الْأَكْثَرُ: لِأَنَّهَا مُبَايَعَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ، وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبَيْعِ وَلَا هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَلْ مِنْ بَابِ النَّقْدِ.
(قُلْت) لَفْظُهُ لَيْسَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ عِيَاضٌ فِي حَمْلِ الْحَوَالَةِ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ الْإِبَاحَةِ قَوْلَا الْأَكْثَرِ، وَبَعْضُهُمْ الْبَاجِيُّ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ رِضَا الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ أَنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِهَا، وَلَمْ يَعُدَّهُمَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا جُزْءَانِ؛ لِأَنَّهُمَا كُلَّمَا وُجِدَا وُجِدَتْ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا قَالَ لَا جُزْءَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَعَقُّلِهَا وَوُجُودِهَا عَلَيْهِمَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُحَالِ، وَإِنَّمَا أَرْكَانُهَا: رِضَا الْمُحِيلِ، وَالْمُحَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ وَالْمُحَالُ بِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ كُلَّمَا وُجِدَ، أَوْ وُجِدَتْ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يُوجَدَانِ وَلَا تُوجَدُ؛ كَمَا إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحَالَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ قِبَلَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَتْ حَوَالَةٌ، وَهِيَ حَمَالَةٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ نَصَّ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ عَلَى أَنَّ حَدَّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لَا جُزْءَانِ إذْ لَمْ يُذْكَرَا فِي الْحَدِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَقَطْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَدَاوَةِ قَالَهُ مَالِكٌ الْمَازِرِيُّ.
وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِشْكَالُ لَوْ اسْتَدَانَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَيْنًا، ثُمَّ حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، هَلْ يُمْنَعُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ اقْتِضَاءِ دَيْنِهِ وَيَرْضَى عَدُوُّهُ فَيُؤْمَرُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ أَوْ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ؟
تَرَدَّدَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي هَذَا وَإِشَارَتُهُ تَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ هَذَا هُوَ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الْحَوَالَةِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَدُوًّا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ اُشْتُرِطَ رِضَاهُ وَاخْتُلِفَ عَلَى ذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ الْعَدَاوَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ هَلْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ أَمْ لَا كَمَا قَالُوا فِيمَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ وَتَجَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ هَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ كَمَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلِلْمُوَثَّقِينَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَيْضًا الْقَوْلَانِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَهَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَ الشُّيُوخِ؟ هَلْ الْحَوَالَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَنَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْبُيُوعِ، أَوْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ؟ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ، وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَحُضُورُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ.
لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ حَتَّى يَحْضُرَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لِلْغَائِبِ بَرَاءَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُشْتَمِلِ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى حَاضِرٍ مُقِرٍّ اهـ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الْوَقَارُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَنَصُّهُ: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ أَحَدٌ بِحَقٍّ لَهُ قَدْ حَلَّ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا حَالُهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بِهِ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ فَاتَتْ، وَذِمَّةَ الْحَيِّ مَوْجُودَةٌ " وَعَلَيْهِ أَيْضًا اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدَهُ، أَوْ دَارِهِ بِدَيْنٍ لَكَ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مُقِرٍّ حَاضِرٍ مَلِيءٍ وَتُحِيلَهُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْت فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اشْتَرَطَ هُنَا حَاضِرًا مُقِرًّا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا ذَلِكَ الشَّيْخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute