عِزُّ الدِّينِ عَنْ الرَّجُل يَذْكُرُ فَيَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِمَثَابَتِهِ فَهَلْ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ، وَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ كُلُّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً أَوْ اسْمِيَّةً وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَذْكَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ دُونَ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ الْجَاهِلِينَ انْتَهَى.
وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ يَذْكُرُونَ وَفِي أَثْنَاءِ ذِكْرِهِمْ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ وَيُكَرِّرُونَ الِاسْمَ الشَّرِيفَ وَيَقُولُونَ آخِرَ ذَلِكَ: مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ. هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ ذِكْرًا يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ؟ وَهَلْ فِيهِ إسَاءَةٌ؟ وَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ؟ فَأَجَابَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ آيَةٌ وَلَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ وَلَا عَنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ وَلَا ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَلَا يُؤْجَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُبْتَدِعُونَ شَيْئًا قَدْ يَقَعُونَ بِهِ فِي إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ. فَهَذَا لَيْسَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ إخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: ٢] وَمَا طُلِبَ مِنْ الْأَدَبِ مِنْهُمْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى.
(قُلْت) قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَكْرِيرٍ لِلِاسْمِ الشَّرِيفِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَامَّةِ صَلُّوا عَلَى مُحَمَّدٍ.
[بَاب الزِّنَا]
ص (بَابٌ الزِّنَا وَطْءُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ إلَخْ)
ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الزِّنَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ فَمَنْ مَدَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ اثْنَيْنِ كَالْمُقَاتَلَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَمَصْدَرُهُ قِتَالًا وَمَنْ قَصَرَهُ جَعَلَهُ اسْمَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُ اشْتِقَاقِ الْكَلِمَةِ مِنْ الضِّيقِ وَالشَّيْءِ الضَّيِّقِ اهـ وَانْظُرْ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَفِي الزِّنَا الْمُتَرْجَمِ لَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ الرَّجْمِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَمَا أَدْرِي سَقَطَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ نُسْخَتِي أَوْ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَلَعَلَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْإِكْمَالِ أَوْ مِنْ الْمَشَارِقِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِذَا مُدَّ كُتِبَ بِالْأَلِفِ وَإِذَا قُصِرَ كُتِبَ بِالْيَاءِ قَالَهُ فِي كِتَابِ بَيَانِ لُغَاتِ الْمُهَذَّبِ.
وَالْقَصْرُ لُغَةُ الْحِجَازِ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَالْمَدُّ لُغَةُ تَمِيمٍ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَنْ عِيَاضٍ وَهَلْ ضِيقُ الْمَحِلِّ أَوْ ضِيقُ الْحُكْمِ فِيهِ يُحْتَمَلُ؟ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَحَضَرْت خَصْمَيْنِ تَحَاكَمَا قَالَ أَحَدُهُمَا قَالَ لِي يَا ابْنَ الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ فَجَلَدَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا تَعْرِيضٌ انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ وَأَصْلُ اشْتِقَاقِ الْكَلِمَةِ مِنْ الضِّيقِ وَالشَّيْءِ الضَّيِّقِ؛ لِأَنَّ الزَّانِي ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجَ نُطْفَتَهُ إخْرَاجًا لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْفَصْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِمَاسِ خَلْوَةٍ وَتَحَفُّظٍ وَضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنْ إثْمِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ قَالَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ زَنَى الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِهِ زُنُوًّا أَوْ زِنَاءً ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَزَنَا الشَّيْءُ ضَاقَ أَوْ قَصُرَ وَزَنَى الْجَبَلُ ضَعُفَ وَزَنَى إلَى الشَّيْءِ نَحَا وَزَنَى الرَّجُلُ بَوْلَهُ زُنُوًّا أَحْقَنَهُ وَزَنَى الْبَوْلُ احْتَقَنَ. وَفِي الْحَدِيثِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ وَالْمُصَلِّي زَنَاءٌ» انْتَهَى (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا عَلَى الرَّجُلِ فَقَطْ فَلَا يَشْمَلُ الزَّانِيَةَ بَلْ هُوَ شَامِلٌ لَهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَطْءٌ وَالْوَطْءُ مَصْدَرٌ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَقُّ لَهُ مِنْ الْوَصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute