نَجَاسَةُ الْمَيِّتِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا إذَا أَمِنَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَوْتَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ مُطْلَقًا رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ تُكْرَهُ بِالْجَدِيدَةِ، وَلَا تَجُوزُ بِالْقَدِيمَةِ إنْ نُبِشَتْ إلَّا إنْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَيْهَا، وَتُكْرَهُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِالْجَدِيدَةِ وَتُكْرَهُ بِالْقَدِيمَةِ قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَكِلَاهُمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقِيلَ: تَجُوزُ بِمَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَتُكْرَهُ بِمَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ مَكَانُهُ طَاهِرًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ انْتَهَى. وَالْمَقْبَرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَالْكَسْرُ قَلِيلٌ قَالَهُ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ
ص (وَكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ، وَلَمْ تُعَدْ)
ش: الْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَفْيِ الْإِعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَالْمُحَشِّي: لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَلِتَكُونَ الْإِعَادَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي هَذِهِ فَقَطْ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنْ عَلَّلْنَا بِالصُّوَرِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالنَّجَاسَةِ قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ انْتَهَى. وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَةٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا]
(فَائِدَةٌ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: أَحَدُهَا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَأَمَامَهُ جِدَارُ مِرْحَاضٍ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنْ كَانَ ظَاهِرُهُ طَاهِرًا لَا يَرْشَحُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ مُسْتَقْبِلًا أَحْسَنَ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاجِي اللَّهَ - تَعَالَى - وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا كَانَ أَمَامَهُ مَجْنُونٌ، أَوْ صَبِيٌّ فَلْيَتَنَحَّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَرْشَحُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ إعَادَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ إلَى نَجَاسَةٍ أَمَامَهُ أَعَادَ إلَّا أَنْ تَبْعُدَ جِدًّا وَيُوَارِيَهَا عَنْهُ شَيْءٌ، فَقَاسَ الْمُصَلَّى إلَيْهِ عَلَى الْمُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقِيسُهَا عَلَى مَا عَلَى يَمِينِهِ، أَوْ شِمَالِهِ، أَوْ خَلْفَهُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ " وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ " مَا نَصُّهُ: وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِقْبَالِهِ مَحَلَّ النَّجَسِ الْكَرَاهَةُ إنْ بَعُدَ عَنْ مَسِّهَا وَهِيَ فِي قِبْلَتِهِ انْتَهَى.
وَثَانِيهَا: الثَّلْجُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الثَّلْجِ قَالَ فِي الطِّرَازِ يُكْرَهُ لِفَرْطِ بُرُودَتِهِ الْمَانِعَة مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ السُّجُودِ كَالْمَكَانِ الْحَرِجِ. وَثَالِثُهَا: الْمَقْبَرَةُ. وَرَابِعُهَا: الْحَمَّامُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ مَوْضِعُهُ طَاهِرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ مَعَ سَطْحِهِ. وَخَامِسُهَا: مَعَاطِنُ الْإِبِلِ. وَسَادِسُهَا: الْكَنَائِسُ. وَسَابِعُهَا: قَارِعَةُ الطَّرِيقِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالطَّرِيقُ الْقَلِيلَةُ الْمَخَاطِرِ فِي الصَّحَارِي تُخَالِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الدَّوَابُّ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ فِي مَسَاجِدِ الْأَفْنِيَةِ يَمْشِي عَلَيْهَا الدَّجَاجُ وَالْكِلَابُ وَغَيْرُهَا لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْتُ شَابًّا عَزَبًا وَكَانَتْ الْكِلَابُ تُدْبِرُ وَتُقْبِلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ، وَهَذَا إذَا صَلَّى فِي الطَّرِيقِ اخْتِيَارًا، وَأَمَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَمَّامِ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ وَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَةِ الدَّارِسَةِ الْعَافِيَةِ مِنْ آثَارِ أَهْلِهَا مَزْبَلَةً كَانَتْ، أَوْ مَجْزَرَةً، أَوْ كَنِيسَةً، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِهَا انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّيْخِ زَرُّوق.
وَثَامِنُهَا: الْمَجْزَرَةُ. وَتَاسِعُهَا: الْمَزْبَلَةُ. وَعَاشِرُهَا: فِي الْجَوَاهِرِ بَطْنُ الْوَادِي؛ لِأَنَّ الْأَوْدِيَةَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَادِيَ وَغَيْرَهُ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ جَائِزٌ أَنْ يُصَلَّى فِيهَا كُلِّهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِاعْتِلَالِ مَنْ اعْتَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute