للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجِّ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ إذَا خِيفَ فَوَاتُهَا سَقَطَ وُجُوبُهُ وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِمَّنْ حَجَّ حَجَّةَ تَطَوُّعٍ وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُهُ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا خَرَجَ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَاشْتَغَلَ آخَرُ بِالنَّوَافِلِ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ إلَى الْحَجِّ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ لَكَانَ الْحَجُّ أَفْضَلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّوْمِ وَأَمَّا الْحَجُّ وَالصَّوْمُ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا أَعْنِي فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ شَخْصٌ يُكْثِرُ الصَّوْمَ وَإِذَا سَافَرَ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي جُعِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَلَهُ الصِّيَامُ الَّذِي لَا إفْطَارَ فِيهِ وَالْقِيَامُ الَّذِي لَا فُتُورَ فِيهِ مُدَّةَ خُرُوجِ الْمُجَاهِدِ وَرُجُوعِهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَلَفْظُ الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ» انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْحَجُّ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَأَيْضًا فَإِنَّا دُعِينَا إلَيْهِ فِي الْأَصْلَابِ كَالْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قَالَ الْمُحِبُّ: (أَحَدُهَا) الصَّلَاةُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَقَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، (الثَّانِي) الصَّوْمُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّوْمِ لَا مِثْلَ لَهُ «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» (الثَّالِثُ) الْحَجُّ انْتَهَى

[فَرْعٌ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ]

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الطَّوَافُ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ شَبِيهٌ بِهَا وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ فَيَكُونُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى سَائِرِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مُعْظَمُ الْحَجِّ وُقُوفُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ انْحِصَارِهِ أَيْ الْحَجِّ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا: بَلْ مُقَدَّرٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ إدْرَاكُ عَرَفَةَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ انْتَهَى.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُ فِي مِثْلِ هَذَا وَفِي الرِّسَالَةِ: وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ وَهَذَا لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ مُقِيمُونَ فَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ الطَّوَافُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادُوهُ فَكَانَ التَّنَفُّلُ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلَ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَالْغُرَبَاءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ لِأَوْطَانِهِمْ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الطَّوَافِ فَكَانَ الطَّوَافُ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى فَوَاتِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا فِي الْمَوْسِمِ لِئَلَّا يُزَاحِمُوا الْغُرَبَاءَ فِي الطَّوَافِ وَالْغُرَبَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: تَعْلِيلُهُ بِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ وَلِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْغُرَبَاءِ وَأَهْلِ مَكَّةَ إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَفْضَلِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِمُسَاوَاةِ النَّفْلِ لِلْفَرْضِ فِي الْفَضْلِ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ وَإِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَلِّيَ نَفْسَهُ مِنْ الطَّوَافِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَقَدْ قِيلَ مِنْ الْحِرْمَانِ أَنْ يُقِيمَ الْإِنْسَانُ بِمَكَّةَ يَمْضِي عَلَيْهِ يَوْمٌ بِلَا طَوَافٍ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٍ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ يُحْصِيهِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ سَيِّئَةٌ وَرُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ وَكَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ

وَمَعْنَى يُحْصِيهِ أَيْ يَتَحَفَّظُ فِيهِ لِئَلَّا يَغْلَطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>