للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْرِ فَهْمِهِ خَاصَّةً فَتُلْغَى، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَى الْمَنْعِ فَهِيَ كَالْعَدَمِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ: فَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالشَّرْعُ لَا يُجْبِرُ عَلَى مَكْرُوهٍ الْبُرْزُلِيُّ وَلَعَلَّهَا تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدِهِ فِي غَيْبَتِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْجُزُولِيِّ الشَّيْخُ، وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ هَلْ يُعْطَى أَوْ تُبَاعُ عَلَيْهِ؟ .

فَإِنْ كَانَتْ كُتُبَ التَّارِيخِ تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلطِّبِّ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ طَبِيبٌ غَيْرُهُ بِيعَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ طَبِيبٌ لَا تُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْفِقْهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُرْجَى إمَامَتُهُ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُرْجَى إمَامَتُهُ تُبَاعُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا تُبَاعُ وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ وَفَرَسٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ فِي عَقْلِهِ فَضْلَةٌ، وَكَانَ مُدَرِّسًا فَقِيهًا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَالْأَحْسَنُ فِي هَذَا أَنْ يَأْخُذَ، وَأَمَّا كُتُبُ النَّحْوِ وَالْأَدَبِ فَلَيْسَتْ مِثْلَهَا، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ

[فَرْعٌ الْيَتِيمَةَ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَصْرِفُهُ فِي ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ]

(فَرْعٌ) تَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَصْرِفُهُ فِي ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ وَالْأَمْرِ الَّذِي يَرَاهُ الْقَاضِي حَسَنًا فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ فَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَيْسَ مَعَهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْحُلِيِّ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيه السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ]

(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ» الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْأُوقِيَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْفِضَّةُ دُونَ الذَّهَبِ وَغَيْرِ، هَذَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ هَذَا الْحَدُّ وَالْعَدَدُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَهُوَ مُلْحِفٌ، وَالْإِلْحَافُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِلْحَاحُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْإِلْحَاحُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ مَذْمُومٍ، فَقَالَ: مَدَحَ اللَّهُ قَوْمًا، فَقَالَ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] ، وَلِهَذَا قُلْت: إنَّ السُّؤَالَ لِمَنْ مَلَكَ هَذَا الْقَدْرَ مَكْرُوهٌ، وَلَمْ أَقُلْ إنَّهُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحِلُّ يَحْرُمُ الْإِلْحَاحُ فِيهِ وَغَيْرُ الْإِلْحَاحِ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا تَحِلُّ الزَّكَاةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ،، وَأَمَّا غَيْرُ الزَّكَاةِ مِنْ التَّطَوُّعِ فَجَائِزٌ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، ثُمَّ قَالَ: الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِ يَعْنِي مَالِكًا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي الْغَنِيِّ حَدًّا لَا يُتَجَاوَزُ إلَّا عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ يُرَدُّ مَا يُعْطَى لِلْمِسْكِينِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ إلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَيْضًا «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ مِنْ أَحَادِيثِ رَبِيعَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ» يُرِيدُ: الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَغَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، إلَّا أَنَّ التَّنَزُّهَ عَنْهَا حَسَنٌ وَقَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَسْأَلَتُهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا، انْتَهَى.

وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَصَّارُ: مَنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَقُومُ بِهِ لِأَدْنَى عَيْشٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَالْمَسْأَلَةُ لَهُ حَلَالٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَا يَقُومُ بِعَيْشِهِ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ (قُلْت) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا» فَمَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ عِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ السُّؤَالِ وَلَعَلَّهَا لَا تَكُونُ غَنَاءٌ لِمِثْلِهِ، وَأَمَّا إعْطَاؤُهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ لِكُلِّ فَقِيرٍ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا مُتَكَفِّفًا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>