للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَعْتَمِدَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ عَلَى تَحْصِيلِهِ غَالِبًا وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِمُقْتَضَاهُ لَزِمَ تَعْطِيلُ الْحُكْمِ فِي التَّعْدِيلِ وَالْإِعْسَارِ فَيُعْتَمَدُ فِي الْإِعْسَارِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَصَبْرِهِ عَلَى الضَّرَرِ كَالْجُوعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْفَقْرِ، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِصُحْبَتِهِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: ٧٥] بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ} [يوسف: ٦٤] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: ٣٠] بِدَلِيلِ {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: ١٣٧] .

[مَسْأَلَة لَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا مَا شَهِدُوا بِهِ]

(مَسْأَلَةٌ) لَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا مَا شَهِدُوا بِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: فَصْلٌ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كُفْءٌ لِلْيَتِيمَةِ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: الشَّهَادَةُ تَامَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَمْ يَقُولَا أَقَرَّ بِذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَاكِيَانِ حَتَّى يُبَيِّنَا ذَلِكَ فَيَقُولَانِ أَقَرَّ عِنْدَنَا أَوْ أَسْلَفَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَارِثِ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الشُّهُودُ وَجْهَ الْحَقِّ الَّذِي شَهِدُوا فِيهِ وَلَا فَسَّرُوهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُبَيِّنُوا أَصْلَ الشَّهَادَةِ وَكَيْفَ كَانَتْ، فَيَقُولُونَ: أَسْلَفَهُ بِمَحْضَرِنَا أَوْ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَنَا، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ (تَنْبِيهٌ) وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَهُمَا بِالدَّيْنِ مُجْمَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ وَجْهَهُ وَشَهِدُوا بِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ هَذَا حَتَّى يَشْهَدَ بِإِقْرَارِهِ بِالسَّلَفِ أَوْ الْمُعَامَلَةِ انْتَهَى.

ص (فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ)

ش: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالشَّيْخُ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّتْ لِظِنَّةٍ أَوْ تُهْمَةٍ أَوْ لِمَانِعٍ مِنْ قَبُولِهَا ثُمَّ زَالَتْ التُّهْمَةُ أَوْ الْوَجْهُ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِهَا أَنَّهَا إذَا أُعِيدَتْ لَمْ تُقْبَلْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِمَا لَوْ أَدَّى الشَّهَادَةَ وَلَمْ تُرَدَّ حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَكِنْ بِشَرْطِ إعَادَتِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْقَائِمُ بِشَهَادَتِهِ لِلْقَاضِي: عِنْدِي فُلَانٌ الْعَبْدُ أَوْ الصَّغِيرُ أَوْ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ رَدًّا لِشَهَادَتِهِمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فَتْوَى قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ.

ص (أَوْ عَلَى التَّأَسِّي)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ وَإِذَا نَدَرَتْ هَالَتْ وَلِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدَّتْ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ.

ص (كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا)

ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ لَازِمًا لَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي طَاعَةٍ وَلَا فِسْقٍ اتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي الِاتِّفَاقِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي وَلَدِ الزِّنَا طَرِيقَانِ، الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي الزِّنَا وَقَبُولِهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالزِّنَا ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ وَعَزَاهَا لِابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ: شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا وَفِي نَفْيِ الرَّجُلِ عَنْ أَبِيهِ جَارِيَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حُدَّ فِي شَيْءٍ هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّنَا كَاللَّعَّانِ وَالْقَذْفِ وَالْمَنْبُوذِ انْتَهَى.

ص (أَوْ مِنْ حَدٍّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ)

ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الِاسْتِذْكَارِ نَقَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>