للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى آخِرِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ.

(قُلْتُ) مَا لَمْ يَأْتِ مَا يُضَادُّهَا إمَّا نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَعْتَقِدَ انْقِضَاءَ الطَّهَارَةِ وَكَمَالَهَا، وَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ يَأْتِي بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يُجْزِئُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَفْضُ النِّيَّةِ]

(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَفْضُ النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ أَيْضًا، وَالرَّفْضُ فِي اللُّغَةِ التَّرْكُ، وَمَعْنَاهُ هُنَا تَقْدِيرُ مَا وُجِدَ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالنِّيَّةُ كَالْمَعْدُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّفْضَ لَا يَضُرُّ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ كَمَالِ الْوُضُوءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إذَا رَجَعَ وَكَمَّلَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِالْقُرْبِ عَلَى الْفَوْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، أَمَّا إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ لَمْ يُكْمِلْهُ أَوْ كَمَّلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ أَوْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ بَعْدَ طُولٍ فَلَا إشْكَالَ فِي بُطْلَانِهِ، وَأَمَّا إذَا كَمَّلَهُ بِالْقُرْبِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ هُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوخِ، وَقَالَ: إنَّ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ مِنْ غَرَائِبِ أَنْقَالِهِ. وَأَمَّا إذَا رَفَضَ الْوُضُوءَ بَعْدَ كَمَالِهِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ بَعْدَ كَمَالِهِ لَا يُؤَثِّرُ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَحَكَى ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ: الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ.

وَرَجَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ الرَّفْضَ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي تَأْثِيرِ رَفْضِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ عَدَمُ الرَّفْضِ، عَكْسُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ: رَفْضُ النِّيَّةِ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَبْدِيُّ فَذَكَرَ الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ انْتَهَى. وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَانْظُرْهُ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الشُّيُوخِ يُنْكِرُ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ: إنَّ الْعِبَادَةَ الْمُشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةُ إمَّا أَنْ تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِمَا، أَوْ لَا تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِهَا، أَوْ تَنْقَضِيَ حِسًّا دُونَ الْحُكْمِ كَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْقَضَى حِسًّا لَكِنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ بَاقٍ، فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا خِلَافَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَوْ سَاعَدَتْ الْأَنْقَالُ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْوُضُوءَ وَهُوَ لَمْ يُكْمِلْهُ أَنَّ رَفْضَهُ لَا يُؤَثِّرُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا رَفَضَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا رَفْضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَكَلَامُهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ هُوَ مَا نَصَّهُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ؟ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ تُوجِبْ فِيهِ النِّيَّةَ، وَالْحَجُّ مُحْتَوٍ عَلَى أَعْمَالٍ مَالِيَّةٍ وَبَدَنِيَّةٍ لَمْ يَتَأَكَّدْ طَلَبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا فَرَفْضُ النِّيَّةِ فِيهِمَا رَفْضٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّفْضِ وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً شَاقَّةً وَيَتَمَادَى فِي فَاسِدِهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>