للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ فَبِالْأُمِّ، قَالَ غَيْرُهُ: وَكُلٌّ وَاسِعٌ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَذْكُرْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: ١٠٦] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُعَزَّى الْمُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ بِالْمُصِيبَةِ بِي» وَجَعَلَ الْمُصِيبَةَ بِالزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ مُصِيبَةً انْتَهَى كَلَامُ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا وَنَصُّهُ: قَالَ - يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ وَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ -: التَّعْزِيَةُ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَبِالْأُمِّ غَيْرُهُ كُلٌّ وَاسِعٌ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَتَعَزَّى الْمُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ بِالْمُصِيبَةِ بِي» وَجَعَلَ مُصِيبَةَ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ مُصِيبَةً انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي صَدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ الصَّالِحَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَائِبِ انْتَهَى.

وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحُرَّ يُعَزَّى بِالْعَبْدِ

[الْخَامِس تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكَافِرِ]

(الْخَامِسُ) فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ، أَوْ بِالْكَافِرِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعَزَّى بِأَبِيهِ الْكَافِرِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٢] انْتَهَى.

زَادَ سَنَدٌ بَعْدَ قَوْلِ الْمَجْمُوعَةِ {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] : فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ وَقَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يُهَاجِرُوا يُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ لَا يُعَزَّى بِالْمُسْلِمِ الْقَرِيبِ لِتَرْكِ الْهِجْرَةِ فَمَا الظَّنُّ بِالْكَافِرِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَهُوَ أَبْعَدُ وَأَسْحَقُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ بِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ فِي دُنْيَاهُ فَيَكُونُ فَقْدُهُ مُصِيبَةً فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُعَزَّى بِهِ وَكَمَا يُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَيُعَزَّى الذِّمِّيُّ فِي وَلِيِّهِ يَقُولُ: أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا عَزَّى ذِمِّيًّا بِمُسْلِمٍ قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك انْتَهَى.

وَمَا عَزَاهُ لِكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ هُوَ فِي النَّوَادِرِ بِزِيَادَةِ: إنْ كَانَ لَهُ جِوَارٌ وَنَصُّهُ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَيُعَزَّى الذِّمِّيُّ فِي وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ جِوَارٌ يَقُولُ لَهُ: أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ انْتَهَى.

وَمَسْأَلَةُ تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِأَبِيهِ الْكَافِرِ هِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَيْضًا فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ شَكَّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَطَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَاخْتَارَ تَعْزِيَتَهُ بِهَا وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَهْلَكُ أَبُوهُ وَهُوَ كَافِرٌ أَتَرَى أَنْ يُعَزَّى بِهِ فَيَقُولُ: آجَرَك اللَّهُ فِي أَبِيكَ؟ .

قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَزِّيَهُ يَقُولُ اللَّهُ {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يُهَاجِرُوا.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُعَزَّى بِأَبِيهِ الْكَافِرِ لَيْسَ بَيِّنًا؛ لِأَنَّ التَّعْزِيَةَ تَجْمَعُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأَشْيَاءَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَنْهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْزِيَةِ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْكَافِرُ يُمْنَعُ فِي حَقِّهِ الشَّيْءُ الْأَخِيرُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: ١١٣] وَلَيْسَ مَنْعُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ الْكَافِرِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ بِاَلَّذِي يَمْنَعُ مِنْ تَعْزِيَةِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ بِمُصَابِهِ بِهِ؛ إذْ لَا مُصِيبَةَ عَلَى الرَّجُلِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ الَّذِي كَانَ يَحِنُّ عَلَيْهِ وَيَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ كَافِرًا فَلَا يَجْتَمِعُ بِهِ فِي أُخْرَاهُ فَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ الْمُصِيبَةَ وَيُسَلِّيهِ مِنْهَا وَيُعَزِّيهِ فِيهَا بِمَنْ مَاتَ لِلْأَنْبِيَاءِ الْأَبْرَارِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْآبَاءِ الْكُفَّارِ وَيَحُضُّهُ عَلَى الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَيَدْعُو لَهُ بِجَزِيلِ الثَّوَابِ إلَى اللَّهِ؛ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْجَرَ الْمُسْلِمُ بِمَوْتِ أَبِيهِ الْكَافِرِ إذَا شَكَرَ اللَّهَ وَسَلَّمَ لِأَمْرِهِ وَرَضِيَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ الْمُسْلِمُ يُصَابُ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَحَامَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ» وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ وَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُجِرَ بِمَوْتِ عَمِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>