للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ فِي حَالَ رِقِّهِ ثُمَّ عَتَقَ أَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ بُلُوغِهَا ثُمَّ بَلَغَا فَلَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ فَرْضًا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ رَفَضُوهُ وَنَوَوْا الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ بِالْفَرْضِ لَمْ يَرْتَفِضْ، وَهُمْ بَاقُونَ عَلَى إحْرَامِهِمْ وَلَوْ حَصَلَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: يُجْزِيهِمَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَوَافَقَهُمَا فِي الْعَبْدِ وَمَنَعَ انْعِقَادَ إحْرَامِ الصَّبِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْفَضُ إحْرَامُهُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إنْ نَوَى فِي إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ انْتَهَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ الْفَرْضَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَانْظُرْهُ، انْتَهَى.

(قُلْت) هَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَالصَّبِيُّ وَالْجَارِيَةُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَمَادَوْا عَلَى حَجِّهِمْ، وَلَمْ يُجِزْ لَهُمْ أَنْ يُجَدِّدُوا إحْرَامًا وَلَا تَجْزِيهِمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى.

وَلَفْظُ الطِّرَازِ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يُحْرِمُ ثُمَّ يَبْلُغُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهَا فَيُجَدِّدُ إحْرَامًا: إنَّهُ لَا يُجْزِي عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: قَالَ: لَوْ أَنَّ غُلَامًا مُرَاهِقًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ احْتَلَمَ مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُرْدِفَ إحْرَامًا عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى.

وَقَالَ سَنَدٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ: لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ نَفْلًا إجْمَاعًا وَمَا عُقِدَ نَفْلًا لَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِكْمَالِ السَّابِقِ: إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِالْحَجِّ وَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ فَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ نَفْلًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ عَنْ مَالِكٍ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ سَوَاءٌ جَدَّدَ إحْرَامًا أَمْ لَا، وَنَحْوُهُ لِلتِّلِمْسَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ وَنَحْوُهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ لِقَوْلِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ يُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ هَذَا وَيُعْتَقُ هَذَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا سَبِيلَ إلَى رَفْضِ إحْرَامِهَا وَيَتَمَادَيَانِ وَلَا يُجْزِيهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ: انْتَهَى بِمَعْنَاهُ، وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا التَّمَادِي وَلَا يَكُونُ لَهُمَا رَفْضٌ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِثْلُ مَالِهِ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَهَذَا النَّقْلُ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهَاتٌ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَلَمْ يَعْلَم إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرٌ إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ ثُمَّ أَجَازَاهُ فَإِنْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ وَلَا السَّيِّدُ بِذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدَ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَ الصَّبِيُّ وَلَوْ بَلَغَ إذَا كَانَ سَفِيهًا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَ السَّفِيهَ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَيُحَلِّلُهُ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ النَّفَلُ لَيُحْرِمَ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَانْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَتَقَ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُحَلِّلَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَيَتَمَادَى عَلَى حَجِّهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ فَأَعْتَقَ أَوْ بَلَغَ أَحْرَمَ عَنْ فَرِيضَتِهِ، وَلَوْ بِعَرَفَاتٍ لَيْلَتُهَا وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ، أَمَّا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَهُمَا بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ فَلَا الضَّمِيرُ فِي كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>