للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّيِّبَاتِ إنِّي لَأَرَى لِصَاحِبِ السُّوقِ مَنَعَهُمْ مِنْ بَيْعِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إذَا كَانُوا يَأْكُلُونَهُ، وَهُوَ مُضِرٌّ بِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَجْهٌ إلَّا الْأَكْلَ، وَهُوَ مُضِرٌّ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ كَالسُّمِّ الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ الشَّرْحِ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَلَا مِلْكُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ فَلَا مَعْنَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ بَيْعِهِ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْمَوَّازِ كَرِهَ أَكْلَهُ فَأَمَّا بَيْعُهُ فَلَا أَدْرِي قَدْ يُشْتَرَى لِغَيْرِ، وَجْهٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَكْلُهُ حَرَامٌ انْتَهَى.

فَإِنْ كَانَ ابْنُ عَرَفَةَ اعْتَمَدَ فِيمَا نَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَعْنِي قَوْلَهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ الشَّرْحِ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَلَا تَمَلُّكُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ كَالسُّمِّ الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى السُّمِّ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ كَلَامُ سَحْنُونٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْقَوْلَةِ وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْوَقْفِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْمَدَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ الْأَكْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهِ مَنَافِعُ أُخَرُ مُبَاحَةٌ فَإِنْ قُصِدَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمُحَرَّمَةُ مُنِعَ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُصِدَتْ غَيْرُهَا جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيُكْرَهُ بَيْعُ الطِّينِ لِلْأَكْلِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَكْلُهُ حَرَامٌ انْتَهَى.

[الفرع الْخَامِس شِرَاءُ الدَّوَّامَات وَشِبْهِهَا لِلصِّبْيَانِ]

(الْخَامِسُ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَكُرِهَ شِرَاءُ الدَّوَّامَاتِ، وَشِبْهِهَا لِلصِّبْيَانِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْقِطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَنَصُّهَا سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَعْمَلُ الدَّوَّامَاتِ لِلصِّبْيَانِ يَبِيعُهَا مِنْهُمْ قَالَ: أَكْرَهُهُ لَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ أَجْلِ بَيْعِهِ إيَّاهَا مِنْ الصِّبْيَانِ وَلَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ آبَاؤُهُمْ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ لِيَسَارَةِ ثَمَنِهِ كَرِهَهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ، وَلَوْ عَلِمَ رِضَا آبَائِهِمْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِكَرَاهَتِهِ، وَجْهٌ؛ لِأَنَّ اللَّعِبَ مُبَاحٌ لَهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ فِي يُوسُفَ أَخِيهِمْ {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: ١٢] انْتَهَى.

[الفرع السَّادِس التِّجَارَةِ فِي عِظَامٍ عَلَى قَدْرِ الشِّبْرِ]

(السَّادِسُ) : قَالَ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ التِّجَارَةِ فِي عِظَامٍ عَلَى قَدْرِ الشِّبْرِ يُجْعَلُ لَهَا وُجُوهٌ فَقَالَ الَّذِي يَشْتَرِيهَا مَا يَصْنَعُ بِهَا فَقِيلَ يَبِيعُهَا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ بِهَا فَقِيلَ يَلْعَبُ بِهَا الْجَوَارِي يَتَّخِذْنَهَا بَنَاتٍ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الصُّوَرِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تِجَارَةِ النَّاسِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا خَيْرَ فِي الصُّوَرِ إلَى آخِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ فَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ فَتَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ.

وَهَذَا حَدُّ الْمَكْرُوهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ صُوَرًا مُصَوَّرَةً مَخْلُوقَةً مَخْرُوطَةً مُجَسَّدَةً عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ إلَّا أَنَّهُ عُمِلَ لَهَا شِبْهُ الْوُجُوهِ بِالتَّزْوِيقِ فَأَشْبَهَ الرَّقْمَ فِي الثَّوْبِ وَإِلَى هَذَا نَحَا أَصْبَغُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا مَا لَمْ تَكُنْ صُوَرًا مَخْرُوطَةً مَخْلُوقَةً إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ فِيهَا نَظَرٌ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى، وَلَوْ كَانَتْ فَخَّارًا أَوْ عِيدَانًا تَنْكَسِرُ، وَتَبْلَى رَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ كَالرُّقُومِ فِي الثِّيَابِ لَا بَأْسَ بِهَا، فَإِنَّهَا تَبْلَى وَتُمْتَهَنُ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَبْقَى أَوْ يَبْلَى مِمَّا هُوَ بِمِثَالٍ مُجَسَّدٍ لَهُ ظِلٌّ قَائِمٌ مُشَبَّهٍ بِالْحَيَوَانِ الْحَيِّ بِكَوْنِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ الرُّقُومَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمَاثِيلَ مُجَسَّدَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ رُسُومٌ لَا أَجْسَادَ لَهَا، وَلَا يَحْيَا فِي الْعَادَةِ مَا كَانَ عَلَى هَيْئَتِهَا فَالْمَخْرُوطُ مَا كَانَ عَلَى هَيْئَتِهِ بِالْحَيِّ، وَلَهُ رُوحٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» .

وَالْمُسْتَخَفُّ مَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْيَا فَالْمُسْتَخَفُّ مِنْ هَذَا اللَّعِبِ مَا كَانَ مُشَبَّهًا بِالصُّوَرِ وَلَيْسَ بِكَامِلِ التَّصْوِيرِ، وَكُلَّمَا قَلَّ الشَّبَهُ قَوِيَ الْجَوَازُ لِمَا «جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ كَانَ يُرْسِلُ الْجَوَارِيَ إلَيْهَا» ، وَكُلُّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>