الِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ وَإِذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلَّخْمِيِّ هُنَا اخْتِيَارٌ، وَالْخِلَافُ مَنْصُوصٌ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالْمُخْتَارُ لِقَوْلِ أَشْهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ.
[تَنْبِيه بَاعَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ]
(تَنْبِيهٌ) وَهَذَا الْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ بَاعَ مَا ظَنَّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَبِيعَهَا مِنْ ثَانٍ وَيُحِيلَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَوَالَةَ بَاطِلَةٌ وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَنَصُّ كَلَامِهِ: " سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ بَاعَ حِصَّةً لَهُ مِنْ كَرْمٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَأَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْتَاعَ الْحِصَّةَ مِنْ الْمُحِيلِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَاسْتَحَقَّ الْحِصَّةَ، وَفَسْخَ الْبَيْعِ، قَالَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَتُنْتَقَضُ الْإِحَالَةُ، وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ بِدَيْنِهِ الَّذِي أَحَالَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ قِبَلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِسُقُوطِ الثَّمَنِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عِنْدِي مِنْ الِاخْتِلَافِ لِكَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمُحِيلِ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ كُنْتُ سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مُدَّةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي اللَّفْظِ " انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَاب الضَّمَانُ]
ص (بَابٌ) (الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ) ش قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْحَمَالَةُ فِي اللُّغَةِ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانَةُ وَالزَّعَامَةُ كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَتَقُولُ الْعَرَبُ هَذَا كَفِيلٌ وَحَمِيلٌ وَضَمِينٌ وَزَعِيمٌ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَيْضًا قَبِيلٌ بِمَعْنَى ضَمِينٍ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْدُ بِدَيْنٍ لَازِمٍ أَوْ آيِلٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَنْ السَّفِيهِ إلَّا بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَخَذَ السَّفِيهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ أَوْ بَاعَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرَفَهُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ فِيمَا هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلِ وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الضَّامِنُ فِي مَالِهِ إذَا أَدَّى عَنْهُ، وَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ الْمَحْجُورَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَمِنَهُ فِيهِ إنْسَانٌ رَشِيدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الضَّامِنَ غُرْمٌ أَمْ لَا؟ لَا يَخْلُو الضَّامِنُ لِلْمَحْجُورِ وَالْمَضْمُونُ لَهُ الْمَحْجُورَ بِأَنْ يَعْلَمَا أَنَّهُ مَحْجُورٌ، أَوْ لَا يَعْلَمَا، أَوْ يَعْلَمَ الضَّامِنُ دُونَ الْمَضْمُونِ لَهُ، أَوْ يَعْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ دُونَ الضَّامِنِ فَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ مَا ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَيَخْتَلِفُ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ، وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَلْزَمُهُ هَذَا مَا حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا أُلْزِمَ الضَّامِنُ غُرْمَ مَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَحْجُورِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ شَخْصًا لِشَخْصٍ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ الْمَحْجُورَ الضَّامِنَ شَخْصٌ آخَرُ رَشِيدٌ فَضَمَانُ الْمَحْجُورِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَلْ يَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَى الرَّشِيدِ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ الْمَحْجُورَ أَوْ لَا يَأْتِي التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ (قُلْت) : وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الضَّامِنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ الْحَقِّ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ خِلَافًا آخَرَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ: الْكَفَالَةُ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ تَلْزَمُ فِي ثَلَاثَةٍ وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَيُخْتَلَفُ فِي السَّادِسِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَالْحَامِلُ وَالْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَالِمَانِ بِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ عَالِمًا كَانَتْ الْحَمَالَةُ لَازِمَةً، وَإِنْ كَانَ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَالِمًا دُونَ الْحَمِيلِ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً، وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِ وَالْكَفَالَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَتْ سَاقِطَةً أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ جَرَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: الْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا يَكُونُ لِلْحَامِلِ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute