للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ مُوَكِّلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ فَقِيلَ يُقْضَى لِلْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَمْلًا لِمَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَسْأَلَة دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَقِيلَ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَكْتُبَ إلَى مُوَكِّلِهِ فَيَحْلِفُ حَمْلًا لِمَسْأَلَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَلَى مَسْأَلَة يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقِيلَ: يُقْضَى لِلْوَكِيلِ بَعْدَ حَلْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ لَا فَرْقَ بَيْنَ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَمِينِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي يُعْزَى إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا. وَيَمِينُ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ شَيْئًا إنَّمَا تَجِبُ بِدَعْوَى الْغَرِيمِ أَنَّهُ قَدْ قَضَى فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ الدَّيْنَ إلَى الْوَكِيلِ وَاسْتَحْلِفْ صَاحِبَك إذَا لَقِيته عَلَى دَعْوَاك.

(الْخَامِسُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ بِهَا دُونَ يَمِينٍ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَمَا فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ لَهُ حَتَّى يَسْتَحْلِفَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى وَلَا أَحَالَ وَلَا قَبِلَ قَالَ: وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى جَرَى الْعَمَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْقَاضِي: لَا تُحَلِّفْنِي. فَلَعَلَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ قَضَانِي شَيْئًا وَقِيلَ إنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ إذَا وَكَّلَ وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ إذَا خَرَجَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلُهَا.

هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ كِنَانَةَ خِلَافٌ. لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَيْهِمَا عَلَى الْوِفَاقِ وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ عَلَى الِانْتِظَارِ فِي الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ انْتَهَى.

(قُلْت) هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِن الْقَوْلَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالِانْتِظَارِ فِي الْغَيْبَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَتَأَمَّلْهُ.

(السَّابِعُ) لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالسِّلْعَةِ هَلْ يَحْلِفُ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالدَّيْنِ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يُقْضَ لِلطَّالِبِ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَدَّعِيَ الْغَائِبُ أَوْ الْمَيِّتُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَيِّتٍ قَامَ بِهِ وَرَثَتُهُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ أَكَابِرُهُمْ أَنَّهُمْ مَا يَعْلَمُونَ وَلِيَّهُمْ قَبَضَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَيًّا لَمْ يَحْلِفُوا حَتَّى يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِمْ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دَيْنًا فَيَثْبُتُ لَهُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ لِي الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ.

[فَرْعٌ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مُؤَجَّلًا وَقَامَ الطَّالِبُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ]

(فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مُؤَجَّلًا وَقَامَ الطَّالِبُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَسَمِعْت أَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ أَسْقَطَ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِكَوْنِهِ لَمْ يَتَوَجَّهْ طَلَبُهُ إلَى الْآنَ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصَّهُ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ بِأَثَرِهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ كَذَا كَذَا ثُمَّ وَصَلَ وَكِيلٌ مِنْ رَبِّ الدَّارِ فِي الْمَرْكَبِ يَطْلُبُ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَبَضَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ وَقْتِ اعْتَرَفَ لَهُ الْمَيِّتُ وَطَلَبَ وَصِيُّ الْأَيْتَامِ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ مَا تَرَاهُ فَأَجَابَ: إذَا لَمْ تَطُلْ حَيَاةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>