قَالَ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبَيَانِ إذَا خَافَ الرَّجُلُ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي مَشْيِهِ وَيُسْرِعَ فِيهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّكَ دَابَّتَهُ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: الْإِتْيَانُ بِالسَّكِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ وَفَضْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالسَّكِينَةِ انْتَهَى.
ص (وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لَا يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ)
ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا كَانَ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَلَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ مَجَانِينَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ» فَالشَّرْطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ عَنْ الْعَبَثِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَكُفُّ عَنْ الْعَبَثِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي حَوَاشِي التُّجِيبِيِّ، قَالَ يَعْنِي يَكُفُّ إذَا نُهِيَ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي يَكُونُ شَأْنُهُ اسْتِمَاعَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَتَرْكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ بَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ، وَلَوْ بِالْعِلْمِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي " رَسْمِ حَلَفَ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَعْبَثَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: ٣٦] الْآيَةَ انْتَهَى.
[فَرْعٌ الْمَرَاوِحِ أَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوَّحَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ]
(فَرْعٌ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرَاوِحِ أَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوَّحَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا كَمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرَاوِحَ إنَّمَا اتَّخَذَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ لِلتَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْمَسَاجِدِ فَالْإِتْيَانُ إلَيْهَا بِالْمَرَاوِحِ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْبَيِّنِ انْتَهَى " مِنْ رَسْمِ شَكَّ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَتَكَرَّرَتْ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبَصْقٌ بِهِ إنْ حَصَبٌ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدِ مُحَصَّبًا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُبْصَقُ فِي الْمَسْجِدِ فَوْقَ الْحَصِيرِ وَيَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ وَلَكِنْ تَحْتَهُ وَلَا فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مُحَصَّبٍ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْنِ الْبُصَاقِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ وَيَدْفِنَهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَبَصْقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ بِهِ شَامِلٌ لِلنُّخَامَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبَاجِيّ وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ.
وَسُئِلَ عَنْ الَّذِي يَتَنَخَّمُ فِي النَّعْلَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَوْضِعِ حَصِيرٍ يَتَنَخَّمُ تَحْتَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الْحَصِيرِ فَإِنِّي لَا أَسْتَحْسِنُهُ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَخَّمَ فِي نَعْلِهِ، قَالَ الْقَاضِي وَكُرِهَ التَّنَخُّمُ فِي النَّعْلَيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَصِلَ إلَى الْحَصِيرِ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِيهِمَا وَرُبَّمَا وَضَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَيَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَكَانٌ فَلَا أَسْتَحْسِنُهُ فَإِنِّي أَسْتَقْبِحُهُ فَيَعُودُ الِاسْتِحْسَانُ إلَى التَّنَخُّمِ تَحْتَ الْحَصِيرِ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا، وَالِاسْتِقْبَاحُ لِلتَّنَخُّمِ فِي النَّعْلَيْنِ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الْحَصِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَا يُبْصَقُ فِي الْمَسْجِدِ فَوْقَ الْحَصِيرِ وَيَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَنَخَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ، ثُمَّ يَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ أَثَرَهَا مِنْ عَلَى الْحَصِيرِ وَفِي ذَلِكَ إذَايَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دُعِيَ لِجِنَازَةٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى ابْنُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مَسْحُهُ لَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صَحْنِهِ مِنْ