إذَا أَنْقَى ذَلِكَ بِالْمَاءِ بَعْدُ فَنَعَمْ، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ - الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ تَعَمُّدًا إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَ نَجَاسَتَهُ - يُتَدَاوَى بِهِ وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُدْخِلُهَا مَنْ يُرِيدُ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ وَالْغَمْصِ عَلَيْهِ، قِيلَ: لَهُ فَالْبَوْلُ عِنْدَكَ أَخَفُّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْبَاجِيُّ أَيْضًا فِي جَامِعِ الْمُنْتَقَى وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافَ ذَلِكَ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ الْمَشْهُورُ مَنْعُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي نَجَسِ غَيْرِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ وَحَكَى الْجُزُولِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَبِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَمْرَ تُطْفِئُ حَرَارَةَ النَّارِ وَاقْتَصَرَ الزَّنَاتِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَائِلًا: إذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّلَطُّخِ بِنَجَاسَةٍ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْغَرَضِ مِنْهَا وَحِكَايَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ مِمَّنْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَقَدْ نَقَلَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ شَيْخِهِ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَصْلُ مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ حَتَّى لَوْ أَرَاقَ إنْسَانٌ خَمْرًا فِي بَالُوعَةٍ فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ كُنَاسَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُطْعِمُ الْمَيْتَةَ لِكِلَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَبْهَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَنْتَفِعُ بِلَحْمِهَا بِأَنْ يُطْعِمَهُ لِكِلَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ يَصُبُّهَا عَلَى نَارٍ يُطْفِئُهَا بِهَا وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْخَمْرِ فِي شَيْءٍ انْتَهَى.
وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " لَا يُنْتَفَعُ بِهَا " هَلْ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ الْكَرَاهَةِ؟ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ أَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلْ الظَّاهِرُ الْمَنْعُ إذَا قَصَدَ مُجَرَّدَ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَلَمْ يَأْذَنْ فِي إبْقَاءِ الْيَدِ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ إرَاقَتَهَا وَطَفْيَ النَّارِ بِهَا، أَوْ كَنْسَ الْبَالُوعَةِ بِهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فِي الطَّيْرِ يُوضَعُ بِهَا الْخَمْرُ فَتَشْرَبُ وَتَسْكَرُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْتُ: يُرِيدُ وَيُكْرَهُ صَيْدُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لَا الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُحَرَّمٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَأَمَّا إطْعَامُ الْمَيْتَةِ لِكِلَابِهِ وَهِيَ فِي مَحِلِّهَا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَأَمَّا حَمْلُهَا لِكِلَابِهِ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَحْمِلُهَا لِكِلَابِهِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: وَلَا يُطْبَخُ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَلَا يُسَخَّنُ بِهَا الْمَاءُ لِوُضُوءٍ، أَوْ عَجِينٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوقَدَ بِهَا عَلَى طُوبٍ أَوْ حِجَارَةٍ لِلْجِيرِ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ بَعِيدٌ وَعَلَى أَنَّهُ وَجَدَهَا مُجْتَمِعَةً فَأَطْلَقَ النَّارَ فِيهَا أَبْعَدُ؛ لِأَنَّ طَبْخَ الطُّوبِ وَالْجِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِتَرْتِيبٍ وَعَمَلٍ وَعَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَفِيهِ أَيْضًا الِانْتِفَاعُ بِالْمَيْتَةِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ لَا نَجَسَ، وَكَذَلِكَ جَعْلُ الْعَذِرَةِ فِي الْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَتَخْلِيصُ الْفِضَّةِ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي التَّبَخُّرِ بِلُحُومِ السِّبَاعِ إذَا لَمْ تَكُنْ ذُكِّيَتْ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ دُخَانُهَا يَعْلَقُ بِالثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَقُ فَلَا يُعْجِبنِي، وَإِطْلَاقُهُ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَسِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي الْوَقِيدِ وَلَا طِلَاءِ السُّفُنِ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ وَالْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُوقِدَ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ إذَا تَحَفَّظَ مِنْهُ.
[فَرْعٌ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ]
(فَرْعٌ) يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا بَوْلُ كُلِّ مَا يُبَاحُ لَحْمُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ بَيْنَ بَوْلِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute