فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلُهَا بَعْدَ وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ مَعْذُورًا بِالتَّأْخِيرِ فَالْعُذْرُ إنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ مَعَ وُجُودِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا مُتَسَاوٍ فِي الثَّوَابِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّ مَنْ نَامَ وَاسْتَرْسَلَ عَلَيْهِ النَّوْمُ، أَوْ غَلَبَهُ السَّهْوُ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ يَقْضِي، وَلَا يَكُونُ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ فِي هَذَا أَنَّ الْحَيْضَ عُقُوبَةٌ عَلَى النِّسَاءِ فِي مَنْعِهِنَّ بِسَبَبِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْ الصِّيَامِ فِي وَقْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَصِبَا)
ش: الصِّبَا بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْمَدِّ وَبِكَسْرِهَا وَالْقَصْرِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَلَوْ صَلَّى ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ لِمَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً بَعْدَ الطَّهَارَةِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ احْتَلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى.
[فَرْعٌ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ نَفْلٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ:) نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ: عَدَمُ إعَادَتِهِمَا عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة فَلْيُنْظَرْ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَنَوْمٍ)
ش: قَالَ الْبَاجِيّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ» الْحَدِيثَ هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ الْغَالِبَ لَا يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ جَرَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَكَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ السَّعَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِ النُّعَاسُ وَيُدْرِكُ صَلَاتَهُ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَلْيَرْقُدْ لِيَتَفَرَّغَ لِإِقَامَةِ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَقَدَ فَاتَتْهُ فَلْيُصَلِّ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ وَلْيُجْهِدْ نَفْسَهُ فِي تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَرْقُدْ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنْهَا بِالْفَرْضِ وَإِلَّا قَضَاهَا بَعْدَ نَوْمِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ صَلَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ مَنْ يُوقِظُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثَّانِي وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَمِنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَقَالَ لَعَلَّهُ يُصْبِحُ مَغْلُوبًا وَفِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كَانَ يُصَلِّي أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ النَّوْمُ فَلْيَرْقُدْ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يَأْتِيهِ الصُّبْحُ وَهُوَ نَاعِسٌ فَلَا يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدْرِكُهُ فُتُورٌ وَكَسَلٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى.
وَفِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا قِيَامُ جُلِّ اللَّيْلِ إذَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي قِيَامِ جَمِيعِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَّا وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ، فَيَحْصُلُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي قَدْ نُهِيَ عَنْهَا، أَوْ يَرْقُدَ فَتَفُوتَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً وَذَلِكَ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ قَالَ الْمَشَايِخُ وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ غَيْرِ حَالَةٍ غَالِبَةٍ لَيْسَ شَأْنَ السَّلَفِ، هَذَا وَإِذَا أَدَّى لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ يُكْرَهُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى لِفَوَاتِ الْوَقْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَوْ تَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبُ أَهْلِهِ إلَّا بِلَيْلٍ وَإِذَا فَعَلَ أَخَّرَ أَهْلُهُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا