الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَنْعِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ: لَا يَجُوزُ وَلَفْظُ: لَا يَجُوزُ يَنْفِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي سَنَدٍ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إنَّمَا هُوَ بِالْكَرَاهَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ الْوَاضِحَةِ لَفْظَ لَا يَجُوزُ إنَّمَا نَقَلَ لَا يَنْبَغِي ثُمَّ لَمَّا أَنْ أَخَذَ يُوَجِّهُ الْأَقْوَالَ، قَالَ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَهُ فَهُوَ مُسَاعِدٌ لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْعُمْرَةِ]
(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: وَالْكَلَامُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْكَلَامِ فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ: وَسُئِلَ هَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إذَا كَانَ لَا يُوَسِّعُ فِي الْحَجِّ، قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَهُوَ رَأْيٌ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِقَوْلِهِ: إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَعْتَمِرُ عَنْهُ، وَلَا عَنْ مَيِّتٍ، وَلَا عَنْ حَيٍّ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْكَلَامِ فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَشَأْنُهُمَا وَاحِدٌ فَمَا جَازَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ جَازَ فِي الْعُمْرَةِ، وَمَا مُنِعَ مُنِعَ انْتَهَى.
(قُلْتُ) فَلَا يَكُونُ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الْعُمْرَةِ إلَّا الْكَرَاهَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ صَحِيحًا أَوْ عَاجِزًا اعْتَمَرَ أَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَحَسَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَعْرُوفٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِأُجْرَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهَا وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ رَأَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الْخِلَافِ: الْفَرْقُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ أَنَّ النِّيَابَةَ وُقُوعُ الْحَجِّ مِنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُ وَمَعْنَى الِاسْتِنَابَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ مِنْ الْغَيْرِ فَقَطْ يُرِيدُ بِالْغَيْرِ الْمُسْتَنِيبَ انْتَهَى.
ص (وَإِجَارَةٌ لِنَفْسِهِ)
ش: هُوَ أَتَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إجَارَةَ نَفْسِهِ مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَطِيعًا أَمْ لَا فَانْظُرْهُ.
ص (وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ)
ش: يَعْنِي أَنَّا، وَإِنْ قُلْنَا الِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ قَالَ: وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ الْمُوصَى بِهِ فِي هَدَايَا، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: يُصْرَفُ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ انْتَهَى.
مِنْ التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَ صَرُورَةً أَوْ غَيْرَ صَرُورَةٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ صَرُورَةً نَفَذَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَمْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنْ كَانَ صَرُورَةً عَلَى الْأَصَحِّ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ يَقُولُ يَلْزَمُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الضَّرُورَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا أَوْصَى بِمَالٍ وَحَجٍّ فَإِنْ كَانَ صَرُورَةً فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَتَحَاصَّانِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُقَدِّمُ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: وَالصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ مُبْدَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَلَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَالَ مُبَدَّأٌ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ يَتَحَاصَّانِ فَفِي هَذِهِ قَوْلَانِ، وَفِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَمَحِلُّ ذِكْرِ هَذَا كِتَابُ الْوَصَايَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَحُجَّ عَنْهُ حُجَجٌ إنْ وَسِعَ، وَقَالَ: يُحَجُّ بِهِ لَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ)
ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ كُلِّهِ أَمَّا حَجَّةَ وَاحِدَةَ أَوْ حِجَجًا مُتَعَدِّدَةً إنْ كَانَ يَسَعُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ حِجَجًا أَوْ وَسِعَ، وَلَمْ يَقُلْ يُحَجُّ بِهِ بَلْ قَالَ: يُحَجُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ وَالْبَاقِي يَرْجِعُ مِيرَاثًا