للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الشَّارِعِ الْمُتَّسِعِ النَّافِذِ فَلَا فِنَاءَ لِلشَّارِعِ الضَّيِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ الْمَارَّةِ وَكَذَا لَا فِنَاءَ لِغَيْرِ النَّافِذَةِ؛ وَلِأَنَّ لِلْأَفْنِيَةِ حُكْمَ الطَّرِيقِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ، وَإِنَّمَا لِأَرْبَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُمْ أَنْ يَكْرُوهَا انْتَهَى.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ لَهُمْ خُصُوصًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلِلسَّابِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ إنْ خَفَّ هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يُمْنَعُ الْبَاعَةُ مِنْهَا فِيمَا خَفَّ، وَلَا غَيْرُهُمْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فِيمَا خَفَّ مِمَّا يُسْتَدَامُ خَلِيلٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَغْرِزُونَ الْخَشَبَ فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ غُصَّابٌ لِلطَّرِيقِ، وَقَالَهُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالطُّرُقِ الشَّيْخُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَاضِحَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتِهِمْ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَقَضَى عُمَرُ بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ ابْنُ حَبِيبٍ تَفْسِيرُهُ يَعْنِي بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَجَالِسِ وَالْمَرَابِطِ وَالْمَسَاطِبِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ لِلْبَيْعِ الْخَفِيفِ وَمَرَّ عُمَرُ بِكِيرِ حَدَّادٍ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ، وَقَالَ: يُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ السُّوقَ انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالْمَسَاطِبِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الدِّكَكُ الَّتِي تُبْنَى إلَى جَانِبِ الْأَبْوَابِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَسَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَمَّنْ بَنَى عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي السِّكَّةِ دُكَّانًا وَهِيَ لَا تَضُرُّ بِالزُّقَاقِ غَيْرَ أَنَّهَا قُبَالَةُ دَارِ رَجُلٍ وَهِيَ تَضُرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهَا وَيَقْعُدُ نَاسٌ فَقَالَ: يُمْنَعُ مِنْ بِنَائِهَا إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالْآخَرِ انْتَهَى.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَضُرَّ بِالْآخَرِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بِنَائِهَا، وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ

[فَرْعٌ لِقَوْمٍ فِنَاءٌ وَغَابُوا عَنْهُ وَاُتُّخِذَ مَقْبَرَةً]

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ إثْرَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: أَفْنِيَةِ الدُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِأَرْبَابِ الدُّورِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ فَإِذَا كَانَ لِقَوْمٍ فِنَاءٌ وَغَابُوا عَنْهُ وَاُتُّخِذَ مَقْبَرَةً فَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَعُودُوا إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلرَّمْيِ فِيهَا إذَا قَدِمُوا إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ لَهُمْ مَالِكٌ دَوْسَهَا إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً مُسَنَّمَةً لَمْ تُدَسْ، وَلَا عَفَتْ لِمَا جَاءَ فِي دَوْسِ الْقُبُورِ فَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ» ، وَقَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ يُؤْذِيهِ فِي قَبْرِهِ مَا يُؤْذِيهِ فِي بَيْتِهِ» ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إنَّمَا كَرِهَ لَهُمْ دَوْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْنِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَارُوا وَانْتَفَعُوا بِظَهْرِهَا ابْنُ رُشْدٍ لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ وَدُفِنَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَانَ مِنْ حَقِّهِمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهُمْ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ إجْرَاءَ الْعَيْنِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ اقْتِطَاعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَالتَّحْوِيزِ عَلَيْهِ بِبِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ]

(فَرْعٌ) وَأَمَّا اقْتِطَاعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَالتَّحْوِيزِ عَلَيْهِ بِبِنَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا يُبَاحُ لِذِي الْفِنَاءِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ عَلَيْهِ وَيُقَرُّ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَفِي هَدْمِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ زُونَانَ ابْنَ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَأَصْبَغَ مَعَ سَمَاعِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فِي سُؤَالٍ كَتَبَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَسْأَلُ عَنْ شَخْصٍ بَنَى حَائِطًا بِجَنْبِهِ فِي بَطْنِ وَادٍ، وَقَدْ كَانَ حَائِطُهُ دُونَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ الَّذِي بَنَاهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، أَوْ بِجَارِهِ فَيُهْدَمُ مَا بَنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، وَلَا بِجَارِهِ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَزَيَّدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يُهْدَمُ بُنْيَانُهُ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْبُنْيَانِ، وَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَهُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى.

ص (وَلِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ)

ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَامَ مِنْ الْبَاعَة مِنْ الْمَجْلِسِ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي غَدٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>