للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ هُدِّدَ وَضُرِبَ فَإِذَا قَامَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قُتِلَ حَدًّا لَا كُفْرًا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِهَا وَغَيْرَ جَاحِدٍ لَهَا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِهِ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ كَالصَّلَاةِ يُقْتَلُ تَارِكُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ مِنَّا لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُ كُرْهًا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي حُكْمِ مَنْ قَالَ لَا أُصَلِّي، مَنْ قَالَ لَا أَتَوَضَّأُ، وَلَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أَصُومُ رَمَضَانَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّارِكِ الْأَبِيِّ خَاصَّةً فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ الِاسْتِهْزَاءِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْأَشْقِيَاءِ إذَا أُمِرَ بِهَا: إذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَأَغْلِقْ الْبَابَ خَلْفَكَ. فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الدِّينِ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي كُفْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ صَلَاةَ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَهُوَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاخْتُلِفَ إذَا صَلَّى فِي حَالِ تَهْدِيدِهِ فَقَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مُكْرَهًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَوْ أُكْرِهَ الْجُنُبُ عَلَى الْغُسْلِ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَمِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ مُكْرَهًا لَمْ يُجْزِهِ انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ يُقْتَلُ بِهَا كَالصَّلَاةِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مُكْرَهًا، وَيُقَالُ لَهُ: صَلِّ، فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ إنَّ الْوُضُوءَ يُجْزِئُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ ضَعِيفًا فَلَمْ تُرَاعِهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا، وَإِنْ بَقِيَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ

[فَرْعٌ يَتْرُك الصَّلَاة لِفَتَرَاتِ مُتَقَطِّعَة وَيَقُول إِن اللَّه غَفُور رَحِيم]

(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَيُوَبَّخُ وَيُخَوَّفُ بِاَللَّهِ فَيُصَلِّي الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى تَرْكِهَا فَيُعَادُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنِّي مُذْنِبٌ، وَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ إمَامًا وَيَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ؟ وَهَلْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وَتُؤْكَلُ هَدِيَّتُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؟ وَكَيْفَ لَوْ كَانَ هَذَا حَالَ امْرَأَتِهِ؟ هَلْ يَسَعُ لِزَوْجِهَا الْمَقَامُ مَعَهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَتُؤْكَلُ هَدِيَّتُهُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا حَالَ زَوْجَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِرَاقُهَا، قِيلَ لَهُ: فَالرَّجُلُ يَنْقُرُ صَلَاتَهُ وَهُوَ أَكْثَرُ شَأْنِهِ، وَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا فَيُعَاتَبُ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَهِي ثُمَّ يَعُودُ،؟ فَقَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلَا إمَامَتُهُ وَيُسَلَّمُ عَلَيْهِ انْتَهَى.

[مَسْأَلَةٌ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ]

(مَسْأَلَةٌ) وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْبَلُ النِّيَابَةُ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي، وَلَوْ صَلَّى إنْسَانٌ عَنْ غَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنْ يُشْرِكَهُ فِي ثَوَابِ صَلَاتِهِ لَجَازَ ذَلِكَ انْتَهَى.

[فَصَلِّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

(فَصْلُ سُنَّ الْأَذَانِ لِجَمَاعَةٍ طَلَبَتْ غَيْرَهَا) الْأَذَانُ: الْإِعْلَامُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ بِالضَّمِّ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَا عَلِمَهُ أُذُنَ صَاحِبِهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِالْإِعْلَامِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَاخْتَصَّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ كَمَا اخْتَصَّ لَفْظُ الدَّابَّةِ وَالْقَارُورَةِ وَالْخَابِيَةِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهَا، وَأَذَّنَ بِفَتْحِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِهَا إذَا أَعْلَمَ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ بِكَسْرِ الذَّالِ مُخَفَّفَةً أَيْ: أَبَاحَهُ وَيُقَالُ بِمَعْنَى عَلِمَ، وَمِنْهُ {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩] ، وَبِمَعْنَى اسْتَمَعَ، وَمِنْهُ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] ، وَمِنْ السُّنَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>