للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَجْمُوعَةِ مَعَ الْمُخْتَصَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْمُصَلِّينَ أَوْ لِلْقِبْلَةِ.

فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ وَلَا مِرْحَاضٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ الْجَوَازُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَوْضِعُ إنْ كَانَ لَا مَرَاحِيضَ وَلَا سَاتِرَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَا الِاسْتِدْبَارُ أَوْ يَكُونُ فِيهِ مَرَاحِيضُ وَسَاتِرٌ فَيَجْلِسُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْمَرَاحِيضُ أَوْ يَكُونُ سَاتِرٌ وَلَا مَرَاحِيضَ فَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الْعِلَّةُ حُرْمَةُ الْمُصَلِّينَ فَيَجُوزُ بِالسَّاتِرِ أَوْ حُرْمَةُ الْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا؟ انْتَهَى، وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَهَلْ يَجُوزُ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ الْمَدَائِنِ؟ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ مَنَعَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى فَجُعِلَ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَطْحٌ لَا مِرْحَاضَ فِيهِ وَلَا سَاتِرَ كَالْفَضَاءِ الَّذِي فِي الْمَدَائِنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا لِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ إذَا كَانَ فِي الصَّحَارِي، وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فِي الْمَدَائِنِ فَأَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي وَالسُّطُوحِ الَّتِي يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الِانْحِرَافِ وَأَمَّا الْمَرَاحِيضُ الَّتِي عُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: إنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ مَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحَارِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ إلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقِيلَ: ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الصَّحَارِي وَالْمُدُنُ وَهُوَ أَحْسَنُ ثُمَّ احْتَجَّ لِذَلِكَ وَنَصَرَهُ وَقَدْ بَنَى الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الشَّوَارِعِ الَّتِي فِي الْمُدُنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ هِيَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ فَيَجُوزُ أَوْ لِلْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهَاتٌ جَمْعِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فِي جَمْعِ الْمُصَنِّفِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ تَأْوِيلَ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ عَلَى مُسَاوَاةِ حُكْمِهِمَا وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَ الْوَطْءَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا فِي الْمُدُنِ وَالصَّحَارِي وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ

(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْمِرْحَاضَ بِذَاتِهِ كَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الِاضْطِرَارُ إلَيْهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ وَسَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا إلَّا لِمِرْحَاضٍ يُلْجَأُ إلَيْهِ وَأَرَادَ بِيَلْجَأُ إلَيْهِ أَنَّهُ يُضْطَرُّ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ إلَّا مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُسْتَدْبِرًا وَأَمَّا لَوْ تَأَتَّى فِيهِ الِانْحِرَافُ لَكَانَ كَالصَّحْرَاءِ.

[آدَاب الْجِمَاع]

(الثَّالِثُ) يَنْبَغِي لِلْمُجَامِعِ أَنْ يَسْتَتِرَ هُوَ وَأَهْلُهُ بِثَوْبٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهَا قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ اجْتِمَاعِ الرَّجُلِ بِأَهْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَامِعَهَا وَهُمَا مَكْشُوفَانِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ يَسْتُرُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَابَهُ وَقَالَ فِيهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعُرْبَانِ وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُغَطِّي رَأْسَهُ إذْ ذَاكَ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ فَلَا يُجَامِعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا مُسْتَدْبِرَهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ. انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَطْءَ عَلَى السَّطْحِ لَا يَجُوزُ كَالْبَرِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي السَّطْحِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ نَقَلَ هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ فَقَالَ: السَّادِسَةُ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، السَّابِعَةُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَهَا إلَّا فِي الْمَنَازِلِ الْمَبْنِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِقْبَالِ أَوْ الِاسْتِدْبَارِ مَا لَمْ يَكُنْ سَطْحٌ فَأُجِيزَ وَكُرِهَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ هَلْ النَّهْيُ احْتِرَامًا لِلْقِبْلَةِ فَيُكْرَهُ أَوْ إكْرَامًا لِلْمَلَائِكَةِ فَيَجُوزُ؟ وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي السَّطْحِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ انْتَهَى

<<  <  ج: ص:  >  >>