للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَمِينِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِالْيَمِينِ لَمَّا رُوجِعَ فِيهَا وَطُلِبَ بِهَا فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ قَضَاهُ حَقَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحِنْثِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ إذَا لَمْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ بِقَبْضِهِ وَلَا شُهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ ابْنُ دَحُونٍ إلَى أَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ كَقِيَامِهَا عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ لَا تَأْثِيرَ لَهَا بِوُجُوبِ الطَّلَاقِ فَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْيَمِينَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهَا بَيِّنَةٌ لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ وَلَوْ أَنْكَرَ الْيَمِينَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْحَقَّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالْيَمِينِ أَقَامَ هُوَ بَيِّنَةٌ عَلَى دَفْعِ الْحَقِّ قَبْلَ الْأَجَلِ قُبِلَتْ مِنْهُ بَيِّنَتُهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَائِمٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ يَمِينٌ فِي امْرَأَتِهِ]

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ نَزَلَتْ بِهِ يَمِينٌ فِي امْرَأَتِهِ فَأَفْتَى بِأَنْ قَدْ بَانَتْ، فَقَالَ لَهَا وَلِلنَّاسِ قَدْ بَانَتْ مِنِّي ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا يَنْفَعُهُ وَأَرَاهَا قَدْ بَانَتْ إذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ أَيْضًا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: إنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ يُخْبَرُ بِمَا قِيلَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذَا إنْ كَانَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ خَطَأً مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَمُفْتِيهِ بِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَالطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى هَذَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَأَمَّا إنْ حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِقَوْلِهِ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ إقْرَارِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ فَكَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ مَا أَفْتَى بِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَمُفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَالطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ وَبَقِيَ قِسْمٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَمُفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مُفْتِيهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيحِ وَأَفْتَاهُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلًا فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَبَانَتْ)

ش: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي مَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ شَرْطَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>