للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَنَدٌ: وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ تَعْبَثُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَوْ تَكُونَ جَلَّالَةً فَالْأُولَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْثَرُ الدَّوَابِّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُرَ فِي أَفْوَاهِهَا ذَلِكَ عِنْدَ شُرْبِهَا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَهُ، وَأَمَّا الْجَلَّالَةُ فَهِيَ كَالدَّجَاجِ الْمُخَلَّاةِ أَيْ فَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا جَرْيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ رَجَّحَهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَغَيْرُهُ.

وَأَمَّا سُؤْرُ الْجَلَّالَةِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي كَلَامِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ كَمَا سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا سُؤْرُ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَفْوَاهِهِمَا نَجَاسَةٌ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ طَهَارَتِهِ كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي فَضْلَةِ طَهَارَةِ الْحَائِضِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ

ص (أَوْ فَضْلَةَ طَهَارَتِهِمَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَفْضُلُ مِنْ طَهَارَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ قَالَهُ فِي الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَذْكُرُ الْبَرَاذِعِيُّ فَضْلَةَ طَهَارَةِ الْحَائِضِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْحَائِضِ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ جَرْيُهُ فِي فَضْلِ طَهَارَةِ الْجُنُبِ.

(قُلْتُ) : وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ إذَا خَلَتْ بِهِ وَرَدُّوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا بِهِ وَنَصَّ الْإِرْشَادُ عَلَى أَنَّهُ يُتَطَهَّرُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْحَائِضِ وَلَوْ خَلَتْ بِهِ وَحَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُضُوءِ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الرَّجُلِ وَعَكْسُهُ سَوَاءٌ شَرَعَا جَمِيعًا أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَ فَضْلَةَ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ وُضُوءُ الرَّجُلِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي لَا يَتَوَضَّأُ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ تَتَوَضَّأُ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ لَا عَكْسُهُ، وَالرَّابِعُ يَتَوَضَّأُ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ إذَا شَرَعَا جَمِيعًا، الْخَامِسُ يَتَوَضَّأُ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ جُنُبًا وَالْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا انْتَهَى بِاقْتِصَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَرْعٌ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ]

(فَرْعٌ) قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ، قَالَ: وَكَذَا تَطْهِيرُ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ.

(قُلْتُ) : وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا.

[فَرْعٌ انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا]

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ مَا يُنْتَضَحُ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ مِنْ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ النَّاسُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا أَوْ مُنْحَدِرًا لَا تَثْبُتُ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ يُبَالُ فِيهِ وَيُسْتَنْقَعُ الْمَاءُ فَهُوَ نَجِسٌ وَيَنْجُسُ مَا طَارَ مِنْهُ مِنْ رَشِّ الْمَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ عِيَاضٍ وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا عَلَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ ضَرُورَةٌ فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَتُحْمَلُ الضَّرُورَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ مَاءً مُسْتَعْمَلًا فِي حَدَثٍ خَالَطَ الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْمَاءُ الَّذِي يَنْتَضِحُ فِي إنَاءِ الْمُغْتَسِلِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَا يَتَطَايَرُ مِنْ جَسَدِهِ وَمَا يَتَطَايَرُ مِنْ الْأَرْضِ وَكِلَاهُمَا لَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ تَطَايُرُ نَجَاسَةٍ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: يُحْمَلُ قَوْلُهَا عِنْدِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ مَا يَكُونُ فِي بَدَنِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فَإِنَّ إمْرَارَ يَدَيْهِ مَعَ الْمَاءِ لِلتَّدَلُّكِ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْإِنَاءِ عَفْوٌ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي يَدَيْهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَعَادَتُهُ إذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُشِيرُ بِهِ إلَى ابْنِ عَرَفَةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>